رئيس استئناف الكرخ: استرداد مئات المليارات من أموال الفساد ومعظمها كانت لشراء العقارات

أكد رئيس محكمة استئناف بغداد / الكرخ، القاضي خالد طه المشهداني، نجاح محكمتي تحقيق وجنايات مكافحة الفساد في هذه الرئاسة، والمعنيتين بقضايا الفساد الكبرى، في استرداد مئات المليارات من الأموال المتحصلة عن جرائم الفساد ،فيما لفت إلى أن معظم هذه الأموال كانت تذهب لشراء عقارات وإيداع في المصارف، وأشار إلى أن المحكمة تصدت لمحاكمة وإدانة مسؤولين كبار من ذوي النفوذ والسطوة منذ تشكيلها.

وتحدث في حوار موسع مع صحيفة “القضاء”، عن تسلّم القضاء نحو 28 تيرابايت من الأدلة الرقمية تخص جرائم داعش الإرهابي من قبل فريق يونيتاد الذي أنهى عمله في العراق.

وفي ملف جرائم المخدرات، لم ينف القاضي أنها مازالت تتفاقم إلى حد لم تعد الأحكام العقابية كافية لمعالجتها، لأن هناك عوامل أخرى تسهم في زيادتها، وأن الحلول والمعالجات تكمن من خلال تدخل الدولة في ضبط الحدود مع الدول المجاورة وتكثيف العمل الاستخباري لضبط المخدرات قبل ترويجها في محافظات العراق ،إضافة إلى ضرورة اهتمام الدولة بالتثقيف والتوعية بمخاطر المخدرات من خلال الاعلام المرئي والمقروء.

 

وفي سياق آخر يرى أن الأحكام التي أصدرتها المحكمة ضد أصحاب المحتوى الهابط، أسهمت في ضبط “الإيقاع المنفلت” الذي كانت تتسم به مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن هذه الأحكام جاءت بعد استنفاد كافة الإجراءات الكفيلة بدفع هؤلاء إلى مراجعة محتواهم.

نص الحوار في ما يلي:

* حدّثنا بدءاً عن عمل محكمة مكافحة الفساد، ما هي أبرز الجرائم والملفات التي تنظرها، وما هي نسبة حسم الدعاوى فيها؟

– حرص مجلس القضاء الأعلى على المساهمة بشكل فعال في مكافحة الفساد من خلال تشكيل محكمتي تحقيق وجنايات مكافحة الفساد المركزية بموجب البيان رقم ٩٦ لسنة ۲۰۱۹ ويكون مقرها في رئاسة محكمة استئناف بغداد / الكرخ، وتختص بالنظر في قضايا الفساد الكبرى وتلك التي تتعلق بالمتهمين الذي يتولون مناصب مهمة في السلطات كافة ومؤسسات الدولة، كما تنظر المحكمة قضايا الفساد التي تخص أشخاصا عاديين لهم صلة بقضايا الفساد الخاصة بالمتهمين من أصحاب المناصب في الدولة كالمقاولين والتجار والسياسيين.

* من يتولى التحقيق في هذه القضايا المهمة؟

– مهمة التحقيق أوكلت إلى محكمة تحقيق جنايات مكافحة الفساد المركزية في استئناف بغداد الكرخ وتختص في التحقيق بكافة الجرائم المرتكبة في بغداد وباقي المحافظات بالتنسيق مع رئاسة محكمتي استئناف بغداد/ الكرخ والرصافة، أما عن آلية اختيار القضايا الداخلة ضمن اختصاص هذه المحكمة، فقد رسمها البيان رقم ٩٦ لسنة ٢٠١٩ بأن يتم اختيارها من قبل رئاسة الادعاء العام بعد التداول مع هيأة النزاهة بالتنسيق مع المحكمة، وبعد ذلك اتسع نطاق عمل المحكمة وأصبحت تحال إليها قضايا الفساد الكبرى التي تختارها اللجنة العليا لمكافحة الفساد في هيئة النزاهة بالتنسيق مع قاضي تحقيق محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية فضلاً عن القضايا التي يتم نقلها إليها وفقاً لإحكام المادة ١٤٢ من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والقضايا التي كانت بعهدة لجنة الأمر الديواني رقم ٢٩ لسنة ٢٠٢٠ الملغية.

* ما هي أبرز القضايا التي أحيلت على محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية؟

– أحيلت العديد من القضايا التي تحتوي هدرا كبيرا بالمال العام أو تخص عددا من المسؤولين الكبار في الدولة ،وقد أصدرت المحكمة أحكاماً مختلفة سواء بالتجريم والإدانة أو بالإفراج وفي ضوء الأدلة المتوفرة في كل قضية، ولم تتوان في إصدار العقوبات الرادعة بحق المدانين فضلاً عن حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة للمحكومين الهاربين، كما ألزمت المحكمة، المحكومين بجريمة الكسب غير المشروع برد قيمة الكسب غير المشروع وعدم إطلاق سراح المحكومين إلا بعد سداد مبلغ الغرامة ورد قيمة الكسب غير المشروع.

* بمناسبة استعادة الأموال، كم هي الأموال المستردة منذ تشكيل المحكمة؟

– هناك جهود مستمرة في كثير من القضايا الخاصة بجرائم الفساد الإداري والمالي، ففي بعض القضايا التي تنظر من قبل هذه المحكمة تمت متابعة الأموال المتحصلة من الجريمة موضوع الدعوى وتم إجراء التحقيقات الموازية بهذا الخصوص، وبناء على ذلك تم استرداد مبالغ مالية تحصل عليها المتهمون تقدر بالمليارات تتعلق بشركات الصرافة وغيرها، ومن خلال التحقيقات تبين أن كثير من المتحصلات المالية من الجريمة تم استخدامها في مجالات عدة منها شراء عقارات أو شراء أسهم أو إيداع تلك الأموال في المصارف أو في مجالات أخرى.

 * هل ضبطتم مصالح متحصلة من أموال الجريمة، كيف تتعامل المحكمة معها؟

 – تم وضع اليد على عقارات تم شراؤها بأموال متحصلة من الجريمة وتم تعيين حارس قضائي عليها وإدارتها بموجب القانون وإحالة المتهمين فيها على محاكم الموضوع لحين إصدار أحكام بمصادرتها لصالح وزارة المالية، إضافة إلى أن هناك جهودا مبذولة في متابعة الأموال المهربة خارج العراق واستردادها بناء على قرارات وأحكام قضائية مكتسبة درجة البنات، وان مجلس القضاء الأعلى اتخذ خطوات مهمة في هذا الجانب في تطبيق الاتفاقيات الدولية.

* حدثنا عن الأموال المستردة من أهم القضايا التي أحدثت ضررا بالمال العام؟

– إحدى هذه القضايا تتعلق بالمخالفات المرتكبة في وزارة التجارة / صندوق دعم التصدير وذلك بإيداع مبلغ 69 مليار دينار عراقي في مصرف المتحد للاستثمار خلافاً لضوابط البنك المركزي العراقي، إذ تم استرداد مبلغ 21 مليار دينار عراقي، وقضية تخص تضخم في ألاموال بمبلغ 9 مليارات دينار عراقي حيث تم استرداد المبلغ كاملا، إضافة إلى قضية أخرى وفق أحكام المادة ٣٦ من قانون النزاهة والكسب غير المشروع وتخص أموال متحصلة عن جريمة حيث تم استرداد مبلغ مليار و790 مليون دينار عراقي، فضلا عن قضية تخص تزوير هويات تقاعدية واستلام مبالغها، حيث تم استرداد المبالغ المستلمة بموجب الهويات المزورة إذ بلغ 160 مليون دينار عراقي، وكذلك قضية تضخم أموال تخص مدير في هيئة تقاعد الأنبار تم استرداد مبلغ 5 ملايين دولار أمريكي فيها، وتم إحالة الدعوى إلى محكمة الموضوع، وأيضاً قضية تخص تضخم أموال مدير عام في وزارة النفط بمبلغ مقداره 16 مليار دينار عراقي تم استرداد مبلغ مليار وخمسمائة مليون دينار عراقي منها، والدعوى التي تخص المخالفات الحاصلة في بيع مادة النفط الأسود من قبل شركة تسويق النفط إذ تم استرداد مبلغ 14 مليونا و500 ألف دولار أمريكي.

* هل عوقب مسؤولون بمناصب كبيرة خلال هذه الفترة من عمل المحكمة؟

– تصدت المحكمة إلى محاكمة كبار المسؤولين في الدولة وذوي نفوذ وسطوة ووفق محاكمات شفافة وعادلة توافرت فيها كافة الضمانات القانونية وابرز هذه المحاكمات تمثلت بمحاكمة نائب في البرلمان العراقي وفق إحكام القرار ١٦٠ لسنة ١٩٨٣ المعدل لضبطه في استلام رشوة ومحاكمة عدد من الوزراء والمحافظين لتسببهم في هدر المال العام، ومحاكمة رئيس جهاز المخابرات السابق غيابياً ومدير مركز العمليات الوطني، بالإضافة إلى عدد كبير من المدراء العامين وإصدار العقوبات المناسبة بحقهم.

* ماذا عن نسب الانجاز والقضايا التي ما زالت قيد المحاكمة الخاصة بمكافحة الفساد؟

– إن نسبة القضايا المحالة إلى المحكمة في تصاعد مستمر فعلى سبيل المثال عدد القضايا المنظورة عام ٢٠٢١ بلغ ٩٦ قضية حسمت منها ۹۲ قضية، وعام ۲۰۲۲ بلغت القضايا ۹۷ قضية حسمت منها ٩٦ قضية، وعام ۲۰۲۳ بلغت ١٧٤ قضية، حسم منها ۱۷۱ قضية والقضايا المنظورة عام ٢٠٢٤ لغاية 25/ 4/ 2024 بلغت ٨٠ قضية حسم منها ٥٥ قضية، وان القضايا التي لا زالت قيد المحاكمة ٢٥ قضية، والمحكمة سائرة باتجاه حسمها بعد استكمال إجراءات المحاكمات وفق الأصول، ومن خلال هذه الإحصائية نجد أن محكمة جنايات مكافحة الفساد قد حققت انجازات كبيرة في سبيل مكافحة الفساد تمثلت بحسم نسبة كبيرة جداً من القضايا المهمة المحالة عليها فضلاً عن إصدار الإحكام والعقوبات الرادعة.

* بعيدا عن الفساد المالي، نظرت محاكم الجنايات في الكرخ قضايا كثيرة بخصوص آفة المخدرات هل لحسم الدعاوى مردود ايجابي من ناحية الحد من تفشي هذه الجريمة أم ما تزال ملفات كبيرة لم تنظر؟

– المتاجرة بالمخدرات وتعاطيها من الجرائم الخطرة التي انتشرت في البلد والتي أصبحت لا تقل خطورة عن الجرائم الارهابية ورغم الاحكام الكثيرة التي صدرت من المحاكم ضد المتاجرين بالمواد المخدرة والتي وصل البعض منها الى الإعدام، إلا أن ذلك لم يحد من انتشار تلك الجريمة فلم نلمس من خلال الواقع العملي بان تلك الأحكام قد حدت من انتشار تلك الجريمة بشكل ملحوظ، وذلك لان انتشار جريمة الاتجار بالمواد المخدرة لا يرتبط بالأحكام الجزائية التي تصدر من المحاكم فقط، ذلك ان الامر يرتبط بجملة من العوامل منها العوامل الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من العوامل الأخرى التي ساعدت في انتشار تلك الجريمة وينبغي معالجة تلك العوامل لغرض الحد من خطورة انتشار المتاجرة بالمواد المخدرة، وأن الحلول والمعالجات تكمن من خلال تدخل الدولة في ضبط الحدود مع الدول المجاورة وتكثيف العمل الاستخباري لضبط المخدرات قبل ترويجها في محافظات العراق ،إضافة إلى ضرورة اهتمام الدولة بالتثقيف والتوعية بمخاطر المخدرات من خلال الاعلام المرئي والمقروء.

* ماذا عن البيانات الرقمية التي تم استلامها من فريق التحقيق الدولي يونيتاد بخصوص جرائم داعش الإرهابي في العراق؟

– قام مكتب الأدلة في فريق تحقيق (يونيتاد) بتسليم هذه الرئاسة (۲۷,۹۷) تيرا بايت من الأدلة الرقمية غير المعالجة التي جمعت من قبل فريق التحقيق الدولي أثناء عملها داخل العراق ، متضمنة أقراصا صلبة وعشر هاردات، وبعد استلامها تم تشكيل فريق عمل من قبل محكمة تحقيق الكرخ الأولى وجهاز المخابرات الوطني العراقي لغرض فحص وتصنيف البيانات المحفوظة في داخلها ومعرفة محتواها وتزويد المحكمة بتقرير مفصل بذلك، وما زال الفريق مستمرا بالعمل لتحليل البيانات الرقمية.

* الجرائم الالكترونية.. هل ما تزال في تزايد أم تم السيطرة عليها، وهل هناك تعاون مع جهات أمنية للحد منها؟

–  لا تزال جرائم الابتزاز الالكتروني في تزايد مستمر وهذا ما يتم ملاحظته من خلال الزيادة الواضحة في الشكاوى المسجلة لدى المحاكم حيث يلجأ المبتزين إلى ارتكاب هذا النوع من الجرائم لتحقيق مكاسب مالية ، وان أهم المشاكل التي تؤدي إلى تأخر انجاز التحقيق في هذه الدعاوى هو تأخر ورود الإجابات من قبل الجهات التي يتم مخاطبتها منها شعبة الجريمة الالكترونية في وزارة الداخلية – دائرة امن الاتصالات في جهاز الأمن الوطني، بخصوص تزويد المحكمة بالاجابات لغرض معرفة مستخدمي أصحاب الحسابات التي يستخدمها المبتزون والتي غالبا ما تكون حسابات وهمية وأرقام هواتف بدون عائدية والتي تتطلب بذل جهود فنية كبيرة وعمل حقيقي للتوصل للفاعلين ، وان المحاكم حثت الجهات الفنية المذكورة على سرعة الإجابة على المخاطبات بهذا الخصوص واقترحنا عليهم زيادة الكوادر الفنية العاملة في هذا المجال بغية اعداد التقارير الفنية المطلوبة في دعاوى الابتزاز الالكتروني والتي تؤدي إلى التوصل للفاعلين و تقديمهم للقضاء، بالإضافة إلى القيام بحملات توعوية وتثقيفية للشباب من قبل الجهات الأمنية والتربوية للحد من ظاهرة الابتزاز الالكتروني.

* لنختم حديثنا عن الأحكام التي صدرت بحق المدانين بترويج المحتوى الهابط، هل ساهمت في خفض هذه الظاهرة في الشارع أو المتلقي مواقع التواصل الاجتماعي؟

– تسمية المحتوى الهابط تشير إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات في الكتاب الثاني الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، وتحديداً في الباب التاسع / الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة، واقتصرت إجراءات القضاء على الحالات التي تمثل تعديا صارخا على قيم الأسرة والمجتمع انطلاقا من دوره المشترك مع بقية مؤسسات الدولة المنصوص عليه في المادة (29) / أولا / أ/ب) من الدستور، في حماية قيم الأسرة الدينية والأخلاقية والوطنية، وحماية الطفولة، واستنادا إلى ذلك صدرت العديد من الأحكام بحق مرتكبي جرائم الفعل الفاضح المخل بالحياء العام، ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتنوعت تلك الأحكام بين الحبس والغرامة بحسب جسامة الفعل المرتكب من قبل المدانين، ومدى تأثيره على الأسرة والمجتمع.

* هل أسهمت تلك الأحكام بالردع؟

– نعم، إلى حد بعيد أسهمت في ضبط الإيقاع المنفلت الذي كانت تتسم به مواقع التواصل الاجتماعي، كما لاقت الأحكام الصادرة بحق المدانين تأييداً من قبل قطاعات واسعة من أبناء المجتمع مع تأكيد مجلس القضاء الأعلى على أن محاكمة أصحاب تلك المحتويات ينبغي أن تكون بعد استنفاد كافة الإجراءات الكفيلة بدفع أولئك الأشخاص إلى مراجعة محتواهم، والانخراط في صناعة محتوى نافع بعيد عن الابتذال والفحش وأن تلك الإجراءات ينبغي أن تنهض بها الجهات المنظمة للبيئة الرقمية مثل هيئة الإعلام والاتصالات في ما يتعلق بالتعاون مع منصات التواصل الاجتماعي لوضع ضوابط الاستخدام الأمثل لها، وهيئة السياحة، ووزارة الداخلية فيما يخص مراقبة النوادي الليلية والتي تنشر من خلالها العديد من المقاطع الخادشة للحياء ونقابة الفنانين فيما يتعلق بترخيص العاملين في تلك النوادي.

مقالات ذات صلة