قبل أسبوع واحد فقط من انعقاد مؤتمر الأمم المُتحدة للتغيير المناخي للمناخ 2021 في مدينة غلاسكو الأسكتلندية، وجهت دراسة مُحكمة نشرتها “كُلية باريس للمناخ” أكبر انتقاد لطبقة “العشرة بالمئة” من المُجتمعات الأكثر ثراء في العالم، مُتهمة إياهم بالتسبب بنصف انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على مستوى العالم، التي تتسبب بتلوث مناخ الكُرة الأرضية.
الدراسة التي أعدها وأشرف عليها الخبير الاقتصادي العالمي المعروف لوكاس تشانسيل، قالت إن كُل فرد من طبقة 1 بالمئة من أغنى أغنياء العالم يتسببون بإطلاق 110 طن من ثاني غاز أوكسيد الكربون سنوياً. وهي سبعة عشر ضعف متوسط ما يطلقه كُل فرد آخر من سُكان العالم، المُحدد بـ6.4 طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون في العام.
تُزيد الدراسة في تشخيصها المتراكم للظاهرة، كاشفة أن العشرة بالمئة من أغنى سُكان العالم يتسببون بنصف التلوث العالمي، بينما يتسبب نصف سُكان العالم الأكثر فقراً على مستوى العالم في 12 بالمائة من التلوث العالمي فحسب، فالفرد الواحد من هذه الفئة، يتسبب بانبعاث أكثر من 1.6 طن من ثاني أوكسيد الكربون في العام، وهو أقل من ربع متوسط حصة الفرد الواحد من الانبعاث على مستوى العالم.
وكانت العديد من الدراسات العالمية قد اتهمت الدول الأغنى في العالم بالتسبب بمستويات من التلوث هي الأعلى في العالم. ففي حيث تساهم القارة الأوربية بأكثر من 25 بالمئة من التلوث العالمي، فإن الولايات المُتحدة الأميركية لوحدها تبعث 17 في المئة من التلوث العالمي، بالرُغم من أن سكان المنطقتين لا تزيد عن 10 بالمئة من سكان العالم.
الباحثة في علم الاجتماع الاقتصادي مايا حسن قسمت أسباب تفاقم هذه الظاهرة على المستوى العالمي، شارحة في حديث مع “سكاي نيوز عربية” مستويين مختلفين من تلك الأسباب: “من جهة أولى، فإن تفاصيل سلوكيات وأنماط المعيشة في الحياة اليومية بالنسبة لطبقة الأفراد الأغنى على مستوى العالم شديدة الاستهلاكية. مستويات صرف المياه واستخدام وسائل النقل الفردية وأنواع وكميات المواد والأغذية والملابس التي يستخدمونها بشكل يومي، غير فائض الطاقة في التدفئة والتبريد طوال شهور السنة، تساهم كُلها في مضاعفة كميات الطاقة اللازمة لموافاة وإنتاج كُل ذلك، وهو ما يضاعف كمية ثاني أكسيد الكربون المستخدمة”.
تُضيف الباحثة حسن: “المستوى الآخر يتعلق بأعداد وشبكة المؤسسات الصناعية والإنتاجية التي يملكها هؤلاء الـ10 بالمئة من أغنياء العالم، الذين يملكون أكثر من 85 من المؤسسات الصناعية والإنتاجية في العالم، وبذا يتسببون بأوسع الانبعاثات العالمية، ودون أية سياسات اجتماعية وثقافية وبيئية مسؤولة عن ذلك التسبب بالتلوث”.
وكانت الكثير من الدراسات والمطالب العالمية قد انتشرت طوال السنوات الماضية، وتدعو لفرض ضرائب مالية كُبرى على هذه الطبقة من الأغنياء، أفراداً ودولاً، كي تدخل تلك الأموال في مشاريع بيئة عالمية تُخفف من آثار التلوث المناخي على المستوى العالمي. بالذات من خلال مساعدة الدول والمُجتمعات الأفقر في العالم على تحديث شبكات المواصلات في بُلدانها، إلى جانب تطوير وتحديث مؤسسات إنتاج الطاقة، لتكون أكثر نظافة على المستوى البيئي، مثل الطاقة الشمسية والإنتاج عبر طاقة الرياح.
وحسب ما يُتوقع أن يُطرح في مؤتمر الأمم المُتحدة للتغيير المناخي في أواخر الشهر الجاري، فإن الهوة المالية بين الأطراف والدول المختلفة في هذا الشأن تبلغ قرابة مئة مليار دولار، التي من المفترض أن تدفعها الدول الأغنى في العالم لصالح تعديل الكفة في التسبب بالتلوث المناخي، لكنها لا تفي بتعهداتها منذ أكثر من عشرة سنوات.
ووافقت الدول المتقدمة لأول مرة على هدف 100 مليار دولار في مؤتمر كوبنهاغن في عام 2009، كما أكد اتفاق باريس التاريخي في العام 2015، والذي وافقت من خلاله جميع الدول على التعاون للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، على الالتزام بتمويل المناخ على الرغم من أن الدول المانحة كانت بعيدة عن تحقيق الهدف.
وتعرض الرئيس جو بايدن لانتقادات شديدة في شهر أبريل الماضي، بعد أن تعهد بمبلغ 5.7 مليار دولار فقط سنوياً بحلول عام 2024، وهو جزء بسيط مما ساهم به الاتحاد الأوروبي بالفعل. وقد أعلن مؤخراً عن مضاعفة هذا الرقم، لكنه لا يزال بحاجة إلى موافقة الكونغرس الأميركي.