أعلن علماء عن إنجاز غير مسبوق في مجال الجيولوجيا، حيث تمكنوا من حفر أعمق حفرة على الإطلاق في الصخور من وشاح الأرض.
وقد تمكن الجيولوجيون من حفر قشرة الأرض باستخدام مثقاب طويل وضيق، مما أسفر عن الحصول على أسطوانة طويلة من الصخور، تُعرف باسم “عينة اللب”، بعمق 1268 متراً (4160 قدماً)، محطمة الرقم القياسي السابق الذي لم يتجاوز 200.8 متر.
وتتكون الأسطوانة من صخور نارية تم تغييرها كيميائيًا بواسطة مياه البحر، وقد تم تحليلها الآن لكشف أسرارها.
ويقترح العلماء أن الصخور المستردة من الوشاح تشبه إلى حد كبير تلك التي كانت موجودة على الأرض المبكرة، بدلاً من الصخور الأكثر شيوعًا التي تشكل القارات اليوم.
والوشاح، الذي يشكل أكثر من 80% من حجم الكوكب، هو طبقة من الصخور السليكاتية محصورة بين القشرة الخارجية للأرض واللب الساخن للغاية.
ويبلغ سمك الوشاح نحو 2885 كم، وتوجد فوقه القشرة الأرضية التي نعيش عليها، والتي يتراوح سمكها بين 30 – 60 كم. وستساعد الصخور في تفسير الدور الذي لعبه الوشاح في أصول الحياة على الأرض والنشاط البركاني الناتج عن ذوبانه.
ووفقًا للفريق، الذي يضم علماء من جامعة كارديف، ستساعد العينة في إلقاء الضوء على كيفية دفع الوشاح للدورات العالمية للعناصر المهمة، مثل الكربون والهيدروجين.
وتم استخراج العينة من نافذة تكتونية، وهي جزء من قاع البحر، حيث تم الكشف عن صخور من الوشاح على طول سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي خلال البعثة 399 “لبنات بناء الحياة، كتلة أتلانتس” لسفينة الحفر في المحيط JOIDES Resolution في ربيع عام 2023.
وقال المؤلف الرئيسي البروفيسور يوهان ليسنبيرغ من كلية علوم الأرض والبيئة بجامعة كارديف: “عندما استعدنا الصخور العام الماضي، كان ذلك إنجازًا كبيرًا في تاريخ علوم الأرض، ولكن الأكثر من ذلك، هو أن قيمتها تكمن في ما يمكن أن تخبرنا به نوى صخور الوشاح عن تكوين وتطور كوكبنا. تبدأ دراستنا في النظر في تكوين الوشاح من خلال توثيق المعادن الموجودة في الصخور المستردة، بالإضافة إلى تركيبها الكيميائي”.
وقد قاد عملية الاستعادة برنامج اكتشاف المحيطات الدولي، وهي مجموعة بحثية بحرية دولية تضم أكثر من 20 دولة، وتستخرج عينات أسطوانية من الرواسب والصخور من قاع المحيط لدراسة تاريخ الأرض. ومنذ ذلك الحين، كان فريق البعثة يجمع جرداً للصخور المستردة. كشفت النتائج التي قدمتها مجلة “ساينس” عن تاريخ أكثر شمولاً للذوبان في الصخور المستردة مما كان متوقعًا.
وقال البروفيسور ليسنبيرغ: “تختلف نتائجنا عما توقعناه. هناك كمية أقل بكثير من معدن البيروكسين في الصخور، وتحتوي الصخور على تركيزات عالية جداً من المغنيسيوم، وكلاهما ينتج عن كميات أعلى بكثير من الذوبان مما كنا نتوقعه”. حدث هذا الذوبان عندما ارتفع الوشاح من الأجزاء الأعمق من الأرض نحو السطح. يقترح العلماء أن التحليل الإضافي قد يكون له آثار كبيرة على فهم كيفية تشكل الصهارة ويؤدي إلى النشاط البركاني.
وتقدم الدراسة أيضًا نتائج أولية حول كيفية تفاعل معدن وفير في صخور الوشاح، يسمى الزبرجد، مع مياه البحر، ما يؤدي إلى سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تنتج الهيدروجين وجزيئات أخرى يمكن أن تغذي الحياة. ويعتقد العلماء أن هذا ربما كان أحد العمليات الأساسية في أصول الحياة على الأرض.
وقالت الدكتورة سوزان كيو لانج، العالمة المساعدة في الجيولوجيا والجيوفيزياء في مؤسسة وودز هول لعلوم المحيطات، والتي كانت عالمة رئيسية مشاركة في البعثة: “إن الصخور التي كانت موجودة على الأرض في وقت مبكر تحمل تشابهًا أوثق مع تلك التي استخرجناها خلال هذه البعثة من الصخور الأكثر شيوعًا التي تشكل قاراتنا اليوم. ويمنحنا تحليلها نظرة نقدية للبيئات الكيميائية والفيزيائية التي كانت موجودة في وقت مبكر من تاريخ الأرض، والتي كان من الممكن أن توفر مصدرًا ثابتًا للوقود وظروفًا مواتية على مدى فترات زمنية جيولوجية طويلة لاستضافة أقدم أشكال الحياة”.