للكاتب محمد تركي بني سلامة
في ظل التصعيد المستمر للعدوان الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب بشكل عام على غزة والضفة الغربية ولبنان، ظهرت تصرفات بعض النواب الأردنيين الذين لبوا دعوة السفير البريطاني كصدمة واستفزاز لمشاعر الشعب الأردني. فصورة النواب الأردنيين الـ45 وهم واقفون أمام السفير البريطاني يستمعون لكلمته جاءت مفاجئة صاعقة و مخيبة للامال ، و أثارت استياء واسعاً في الشارع الأردني وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. هذا المشهد، الذي جاء في توقيت حساس للغاية، أظهر بعض النواب في موقف محرج ومهين خاصة وأن العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين يتواصل بلا هوادة.
كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تكتظ بالمحتوى الداعم للقضية الفلسطينية، حيث يبذل الأردنيون قصارى جهدهم لإيصال صوتهم إلى العالم، مؤكدين على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية إنسانية تمس كل عربي ومسلم، وتعبر عن ضمير الأمة بأسرها .فتوقيت هذه الدعوة يثير العديد من التساؤلات حول دوافع النواب الذين حضروا هذا اللقاء. فإذا كان الهدف من الدعوة تهنئتهم على انتخابهم، فكان من الأولى أن يقوم السفير بزيارتهم في مقر مجلس النواب بعد انعقاد جلساته وليس العكس. كما يطرح التساؤل حول ماهية النقاشات التي قد تمت في ظل استمرار العدوان، وهل تناولت القضايا التي تهم الأردنيين وتدعم الشعب الفلسطيني؟
وان صورة النواب وهم واقفون أمام السفير البريطاني، وكأنهم يتلقون تعليمات، تعكس تباينًا غير مقبول في المكانة وتعامل غير مبرر مع الموقف، حيث كان من المفترض أن يكونوا أكثر حذرًا في تمثيل مصالح ناخبيهم، خاصة في هذه الأوقات الحساسة.فالموقف لا يعكس فقط غياب الحس الوطني لدى هؤلاء النواب، بل يستفز مشاعر الأردنيين ويتجاوز الأعراف الدبلوماسية المعهودة. وكان على النواب أن يظهروا احترامًا أكبر لناخبيهم، ويأخذوا بعين الاعتبار التأثير السلبي لمثل هذه الزيارة في هذا التوقيت. تصرفهم هذا يعد سقطة مبكرة، ويستوجب مساءلة الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها. فلا يمكن لأي نائب أن يتعامل مع دولة تدعم الاحتلال الإسرائيلي دون أن تتم محاسبته.
فالأحزاب السياسية يجب أن تتخذ موقفًا واضحًا وحاسمًا من هذه التصرفات، وأن تطالب بمحاسبة النواب الذين تجاهلوا مشاعر الشارع الأردني ،والشعب الاردني واع وسيراقب موقف هذه الاحزاب من هذه السقطة وغيرها من مواقف نواب هذه الاحزاب تحت القبة .وفي المقابل، يجب أن نشيد بالموقف الوطني المشرف للعديد من النواب الذين رفضوا هذه الدعوة، وفي مقدمتهم نواب الحركة الإسلامية الذين لطالما كانوا في مقدمة المدافعين عن القضايا العربية والإسلامية. فموقفهم هذا ليس مفاجئًا، بل هو استمرار لمواقفهم الثابتة في دعم القضية الفلسطينية والتصدي للهيمنة الغربية الداعمة للاحتلال. وان رفضهم لهذه الدعوة يعكس وعيًا سياسيًا وأخلاقيًا بأهمية دورهم كنواب منتخبين يمثلون صوت الشارع الأردني.
و يجب أن يكون موقف النواب الذين رفضوا الدعوة، نموذجًا يحتذى به من قبل جميع المسؤولين في الأردن. وإن استجابة النواب الآخرين لدعوة السفير البريطاني في ظل هذه الظروف لا يمكن قبولها، ويجب أن تدرك الأحزاب السياسية التي ينتمي لها هؤلاء النواب أن الشعب الأردني لن ينسى هذا الموقف غير المبرر . و لن يغفر لمن يتخلى عن مبادئه الوطنية في هذه المرحلة الحرجة.