للكاتب سعد ناجي جواد
منذ ان نجح الرئيس ترامب في الانتخابات والعودة الى الرئاسة ثانية في بداية هذا العام، وبفوز ساحق، حتى كشر عن انيابه وبدا يتصرف وكأنه الحاكم المطلق، او ذلك الذي لا وجود لقوة قادرة على كبح جماحه او مناقشة ما يقوم به داخل اميركا. وهذا الشعور جعله ايضا يعتقد انه قادر على استخدام نفس الأسلوب دوليا. وفي هذا المجال تجاوز حتى الأصول الدبلوماسية في التعامل مع الدول الاخرى. فهل سيستطيع الاستمرار في هذه السياسة؟ وماهي احتمالات او بالأحرى عقم الأساليب التي يهدد بها والعنجهية التي يستخدمها؟ وما هي التحديات التي تنتظره؟
وربما يعد اكثر تأثير مضر على الرئيس الجديد هو اعتقاده ان نجاحه في اصدار تشريعات امريكية بسرعة البرق منذ اليوم الاول لتنصيبه، وعدم وجود معارضة تقف في وجهه، سيمكنه من الاستمرار بهذا النهج بسهولة او ان يستخدم او ان يفرض نفس الأسلوب دوليا. فقد ظهرت بوادر طريقة التفكير هذه عنده اثناء حملته الانتخابية، على اساس انه يريد ان يعيد العظمة لأمريكا، وصدق نفسه وابتهج مناصروه بدون تفكير عميق. وهكذا نجده يقول مثلا ان كندا هي ليست دولة، ولَقّبَ رئيس وزرائها، ب(حاكم كندا) معتبرا إياها ولاية امريكية. وتجاوز بعد ذلك على الحقوق السيادية لدول اخرى، فاعتبر قناة بنما قناة امريكية (لان اميركا هي من حفرتها)، وقال انه سيستردها، او ان بلاده سوف لن تدفع رسوم اثناء العبور منها.
ولم ينتظر قادة هذه الدولة الذين اثبتوا انهم يتمتعون بقدر كافٍ من احترام انفسهم وتاريخهم وبلدانهم وشعوبهم، لكي يردوا عليه مباشرة رافضين ما يدعيه. فرئيس بنما قال ان القناة بنمية وعلى اي طرف يريد المرور فيها ان يدفع الرسوم المحددة، ومملكة الدانمارك رفضت فكرة التنازل عن غرينلاند وقالت ان الجزيرة ليست للبيع، اما الرئيس الكولومبي، الذي قام ترامب بإرسال طائرة عسكرية الى بلاده مليئة بالمهاجرين غير الشرعيين، فلقد قام بإعادة الطائرة الى الولايات الى قائلا ان هؤلاء بشر ويجب التعامل معهم بطريقة إنسانية، وقام الشعب الكندي بوضع يافطات على حدود بلادهم مع اميركا كتب عليها (كندا ليست للبيع). وأظهرت المكسيك تحديا مشابها. اما الصين ففاقد هددت بفرص رسوم مشابهة على المنتجات الامريكية المصدرة.
وعلى الرغم من ان هذه المواجهات لم تحسم بعد، ولكن ردود الفعل هذه مثلت بداية التحدي لجزء مهم من احلام ترامب الخارجية. فالتحدي الاخر للرئيس الجديد هو الداخلي، والذي يتجاوز في خطورته التحديات الخارجية، لسبب بسيط ان فشله في مواجهته يمكن ان ينهي فترة رئاسته بصورة مبكرة.و قد يتصور البعض ان هناك مبالغة في هذا القول، لكن هذا الاحتمال يبقى واردا، الا اذا خفف الرئيس من استهانته بالمواقف المعارضة له. خاصة وانه بدا يستفز اجهزة معروفة بعراقتها وبتجذرها. فمثلا ان يضع على راس وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية شخصا لا علاقة له بتقاليدها ولا يحترم تراتبيتها، فهذه قضية فد تنقلب ضده في اية لحظة، خاصة بعد ان ادلى الوزير تصريحات اثارت السخرية لدى الناس والمختصين.
واصلا فان ترشيح هذا الوزير لوزارة الدفاع كان قد قوبل بمعارضة نواب وشيوخ من الحزب الجمهوري نفسه ومن داخل البنتاغون. ورغم انه نجح في تمرير الترشيح الا ان الانتقادات ما زالت مستمرة ووصلت الى بعض الصحف المهمة. ونفس الشيء قد يحصل في وزارة الخارجية بعد ان امر الرئيس الوزير الجديد ان يعزل اكثر من 120 سفيرا وتعيين موالين له في 400 وظيفة، وكذلك تعيين صديقة ابنه التي تساكنه، سفيرة في الوزارة رغم عدم امتلاكها اية خبرة في هذا المجال. ويضاف الى ذلك خطته لاعادة هيكلة الموظفين في البيت الابيض وإخراج أشخاص لهم تاريخ في هذه المؤسسة، بدأت بتعيين شابة صغيرة السن (26 عاما) كمتحدثة باسم البيت الابيض واحالة اخرين مخضرمين على التقاعد، (في اول ظهور لهذه المتحدثة رددت ادعاءات غير صحيحة ومضحكة صدرت عن الرئيس، مما اثار حتى الصحافة عليها).
فاصل ويبقى التحدي الاكبر له هو ما يخططه للعرب وبالذات لأبناء غزة، او ما طرحه ويتصوره حلا للمشكلة الفلسطينية وللصراع في الشرق الاوسط. وليس خافيا ان الرئيس، شانه شان كل الرؤساء السابقين، يدعم اسرائيل بصورة مطلقة. وانه اعلن مسبقا بان مساحة اسرائيل صغيرة ويجب ان توسع، وقام بنقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة، وانه اتخذ بعد وصوله للبيت الابيض قرارا برفع الحظر عن تزويد اسرائيل بالقنابل العملاقة، وغير ذلك كثير. كما انه نجح في الحصول على مكتسبات مادية وبدون مقابل من السعودية لا يستحقها لا هو ولا دولته بسبب الموقف السلبي من القضايا العربية، واصراره على ذكر القادة العرب المتعاونين معه بطريقة ساخرة وبإستهزاء