للكاتب رانيا منذر ديب
في زمنٍ يُفترض أنه ما بعد “داعش”، تُعاد فصول السبي والاختطاف والاتجار بالبشر في سوريا، وسط صمت مريب ومخزٍ من العالم. فعشرات النساء والفتيات من الطائفة العلوية خُطفن من الساحل السوري خلال الأشهر الماضية، بحسب تقارير نشرتها وكالة رويترز ومنظمة العفو الدولية، إضافة إلى شهادات وثقتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان والمرصد السوري لحقوق الإنسان. وهذه الشهادات ليست أقوالاً مرسلة، بل تتضمن تواريخ وأسماء وأعمار الضحايا، وصورًا ورسائل ابتزاز أرسلت لعائلاتهن، وهو ما يؤكد أن القضية ليست إشاعة أو بروباغندا.
ومع أن بعض الضحايا لا تتجاوز أعمارهن سنّ الطفولة، فإن الخطف مستمر بوتيرة متصاعدة حتى اليوم. وغالبًا ما كان المصير الفدية المالية، أو الزواج القسري، أو الاستعباد الجنسي، بثمن يُدفع علنًا، وبـ”صفقات” تُعقد على وسائل التواصل الاجتماعي، بل وحتى عبر تطبيقات مشفّرة تستخدمها الفصائل. فالساحل السوري (جبلة، طرطوس، اللاذقية، ريف الساحل، ريف حمص) ذات التواجد العلوي الكبير، تشهد اختطافات ممنهجة يومية لنساء وفتيات من الطائفة العلوية منذ بداية 2024، مع تزايد مستمر.
وان السويدة (جنوب سوريا) منطقة ذات غالبية درزية، تعرضت خلال فترات الهجوم العسكري لحالات اختطاف نساء وأطفال، وان الفكر الإرهابي واحد في كلتا المنطقتين، ويستخدم الخطف والاتجار بالبشر كأداة إرهاب. فسبي النساء العلويات في الساحل لم يتوقف ولن يتوقف إلا بتحرك جاد وفعّال من المجتمع الدولي لإعادة المختطفات والأطفال، ومحاسبة المجرمين على أفعالهم. نعم… فسوريا تشهد “سوق نخاسة” علني في إدلب.
فهناك تقارير موثقة من نشطاء محليين وصور مُسرّبة من مجموعات مغلقة على منصات مثل تلغرام وفيسبوك تُظهر عرض نساء للبيع أو “المقايضة” كسبايا. وفي بعض الحالات، تمكّنت منظمات دولية من تأكيد صحة هذه الصور من خلال تحليل البيانات الوصفية ومطابقتها مع مواقع جغرافية داخل إدلب. وهذه ليست مجرد انتهاكات عابرة… هذا فكر إرهابي ووضيع يعيد إنتاج جرائم العصور الوسطى تحت غطاء ديني زائف. وان الأمم المتحدة لم تُصدر حتى الآن تقريرًا مخصصًا أو مفصلاً حول هذه الحالات، رغم تلقيها ملفات رسمية من منظمات حقوقية سورية.
والمحكمة الجنائية الدولية لم تتحرك، بحجة أن سوريا ليست عضوًا في نظام روما، رغم أن هذه الحجة تم تجاوزها في حالات أخرى مثل ليبيا عندما كانت هناك إرادة سياسية. ومجلس الأمن لم يُدرج هذه الجرائم على جدول أعماله، ربما لتفادي صدام مع فصائل مدعومة من حلفاء إقليميين. فالحقائق الميدانية تقول إن بعض العائلات التي لجأت لطلب المساعدة من منظمات أممية، لم تتلق حتى ردًا على رسائلها، في حين كان التحرك سريعًا في مناطق أخرى لأسباب سياسية أو طائفية.
فالجرائم ضد النساء المحتجزات في إدلب وصمة عار على جبين كل جهة تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان. وان التوثيق موجود، الأسماء موجودة، الأدلة موجودة… وما ينقص فقط هو الإرادة السياسية لوقف هذه المأساة. “وكل أبناء الطائفة العلوية، ومعهم كل المدافعين عن حقوق الإنسان من حقوقيين وناشطين، نطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتحرك الفوري لإطلاق سراح جميع النساء والأطفال المختطفين، وكشف مصير المفقودين، ومحاسبة المجرمين على جرائم السبي والاغتصاب والاختطاف الممنهج. هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وصمت العالم عنها هو تواطؤ موثق في صفحات التاريخ.”