للكاتب رامي عياصره
اعلان الجانب الاسرائيلي عن موافقة الكابينيت خطة اعادة الاحتلال الكامل لقطاع غزة جاء بعد مشاورات استغرقت ساعات طويلة أبدى خلالها رئيس الأركان رفضه لهذه الخطة ، ولكن الكلمة الفصل كانت للمستوى السياسي بتمرير الخطة وإقرارها. وان ذلك يعني باختصار نتيجة كل مسار التفاوض والتسويات وضرب لكل محاولات محاولات التوصل الى صيغة وسط تنهي العدوان ، وبالمحصلة تعني استمرار حرب الإبادة الجماعية ، ومعها استمرار استخدام التجويع كسلاح حرب، ومزيد من القتل والترويع، والحصار والتدمير، واستكمال فصول المعاناة.
وتنصل الجانب الاسرائيلي من الجانب الانساني وتبعاته كقوة احتلال وفق القانون الدولي جاء بصياغة قراره العدواني تحت مسمى ” إعادة السيطرة على القطاع ” بدلاً من ” احتلاله “. وربما يستند نتنياهو وحكومة الجنون و التطرف معه إلى عدة عوامل دفعتهم لاتخاذ هذا القرار، والمضي بنهج العدوان، أهمها التأييد الامريكي الواضح والصريح والمطلق، وبالتالي ضمان استمرار الدعم السياسي و اللوجستي والعسكري، وكان قد صرّح بذلك ترامب عندما سئل عن خطة نتنياهو فاجاب قائلاً: هذا أمر متروك للحكومة الاسرائيلية. بمعنى أنه لن يعارض هذا التوجه، بل وفيه اعطاء ضوء اخضر ضمني بذلك .
وإذا ما أضيف هجومه على حماس وتحميلها مسؤولية انهيار المفاوضات الأخيرة بالرغم من أنه هو من سحب وبشكل مفاجئ مندوبه من المفاوضات ما أدى الى إفشالها، إضافة الى تعطيله كل مسار سياسي يؤدي الى إدانة دولة الكيان الصهيوني أو حتى مخالفة رغباتها بما فيها التوجه الفرنسي العالمي للاعتراف بدولة فلسطينية، ورفضه بيان نيويورك .حيث يتوقع بعض المحلليين العسكريين أن خطة إعادة احتلال القطاع على الشكل الذي يخطط له نتنياهو ربما تستغرق عامين كاملين، وهذا يعني أننا أمام فصل جديد في معركة السابع من أكتوبر ، التي تحولت الى معركة مفتوحة لا تنتهي بمدة محدودة، ولكنها تشكل حلقة في سلسلة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، وتشبه الى حد كبير الثورة الفلسطينية الكبرى التي استمرت ثلاث سنوات ( 1936-1939 م ) .
و بمثل ما جرى في الانتفاضة الأولى و سميت ” انتفاضة الحجارة ” التي انطلقت عام 1987م واستمرت حتى عام 1991م، وانتهت بشكل كامل مع اتفاق اوسلو عام 1994م ، وكانت تلك الانتفاضة الرحم الذي ولدت منها حركة حمlس، وقويت تدريجيا حتى باتت القوة الأكثر ثقلا في المشهد الفلسطيني. وما يجب قوله هو أن خطة نتنياهو بإعادة احتلال قطاع غزة لن يفضي إلا لمزيد من الفشل والخسائر ، ونتنياهو يعاند مسار التاريخ، ولا يريد أن يقرّ أو يعترف بالفشل الذي يرافقه منذ يوم السابع من أكتوبر ، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن وهو يهرب الى الأمام، دون جدوى.
وان هذا سيفتح عيون القادة الاسرائيليين على حقيقة أنهم استزفوا وهزموا بالفعل في غزة بالرغم من صورة النصر التي يحاول نتنياهو وحكومة المتطرفين معه من تسويقها. وأما بخصوص قضية الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في النضال والمقاومة، ومقارعة المحتل، وإزاحته نهائيا عن ارضه، فهي حقوق ثابتة ومستقرة لا تملك قوة في العالم انتزاعها منه. ولكن ربما تسفر مجريات معركة الطوفان عن شكل جديد من مقاومة الشعب الفسطيني، يمثل نسخة مستجدة من المقاومة لهذا الاحتلال المجرم البغيض.
و تتضح مؤشرات ذلك من خلال روح التحدي والصمود الاسطوري الذي قدمه أهلنا في غزة، بالرغم من العبء الثقيل الذي تحمّله وبما لا تطيقه الجبال الرواسي ، تحمّلوه ولا زالوا ، ولم تكسر لهم إرادة ، ولم تقتل في دواخلهم فلسطينيتهم وتمسكهم بأرضهم وتشبثهم بمفردات قضيتهم، التي من الواضح أنها باتت لا تموت، ولن تموت، بفضل غزير الدم النازف الذي روّاها ، وروّى معها الحلم بالعودة والنصر والتحرير.