روسيا تفضح الدور الإسرائيلي في اوكرانيا

للكاتب رامي الشاعر

مرت العلاقات الروسية الإسرائيلية والسوفيتية الإسرائيلية بعدد من المراحل، لعل أبرزها انقطاع تلك العلاقة بالكامل منذ عدوان عام 1967، وحتى عام 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. ولما كانت إسرائيل قد ارتمت في أحضان الإمبريالية العالمية، بدءا من بريطانيا “العظمى”، وانتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية “العظمى” كذلك، فربما يشرح لنا ذلك السر وراء الحماس الملفت الذي تنتهجه إسرائيل في دفاعها المستميت عن أحادية القطبية، واستماتتها في إرضاء السيد الأمريكي، الجمهوري أو الديمقراطي على حد سواء، فلا فرق لدى إسرائيل بين ترامب وبايدن، لأن دولة الاحتلال، وفقا لتعريفات الأمم المتحدة، تحتاج إلى الشرطي الذي يضمن أمنها وحدودها، حتى لو اضطر إلى تدمير منطقة الشرق الأوسط عن بكرة أبيها،كما فعلت في سوريا والعراق وليبيا واليمن.

وإن غالبية المجتمع الدولي، المجتمع الدولي بالمعنى الشامل للكلمة، وليس المجتمع الدولي كما يتخيله الغرب، يعي ويدرك تماما مدى الغطرسة والاستعلاء والعنصرية والتمييز الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، ويعرف حجم الاضطهاد الذي يجعل الشعب بأكمله معتقلا ورهينة للسجان الإسرائيلي.وعلى الجانب الآخر من العالم كانت أوكرانيا تستعد لتشغل موقع إسرائيل أوروبا، طفلة الولايات المتحدة الأمريكية المدللة، وقفازها المفضل، الذي كان سيتلاعب بالأمن الروسي من خلال بناء أكبر قاعدة لـ “الناتو” في شرق أوروبا، وكان ذلك سيصب بشكل أو بآخر في مصلحة المشروع التوسعي الصهيوني.

فلم ولا تعتزم روسيا مواجهة إسرائيل بأي شكل من الأشكال، إلا أن روسيا تدرك تماما المخطط الإسرائيلي لاستخدام اللوبي اليهودي حول العالم، وحتى في الداخل الروسي، في تمرير الكثير من المسارات بشأن العلاقات بين روسيا وإيران، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي، أو بالملف السوري، وما فعلته روسيا علانية أمام الجميع، وفتحت أوراقها على الطاولة بدلا من الصفقات المشبوهة تحت الطاولة، هو إنشاء مسار أستانا، الذي يضم الدولة عضو “الناتو”، تركيا، وهو المسار الذي أسفر عن إنجاز وقف إطلاق النار، وإنشاء مناطق التهدئة، ولا زال يساعد في حلحلة الأزمة السورية، انتظارا للفرج السوري السوري.

وإن روسيا دائما ما اتسمت بالحذر في تعاملها مع إسرائيل، لما تعرفه أن إسرائيل تعني الولايات المتحدة الأمريكية و”الناتو”، ولم ولا ترغب روسيا في وقوع أي صدامات بين الدول العربية وإسرائيل في ظل الوضع الراهن. إلا أن ما نسمعه في الفترة الأخيرة من الدولة المحتلة، بشأن “الغزو” و”الاحتلال” و”العدوان” الروسي، في وصف العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، وما يترامى إلى مسامعنا بشأن المساعدات، بل والإمداد بالمرتزقة، يصيبنا بالدهشة على أقل تقدير، من قدر الصفاقة والوقاحة وانعدام المبادئ ولا أقول الأخلاق.

وإن العالم اليوم يمر بمرحلة مصيرية تحتم الاختيار بين مصيرين: فإما الانسحاق أمام النظام العالمي الراهن، الذي يرى فيه “الغرب الجماعي” نفسه، تحت راية الولايات المتحدة الأمريكية، سيد العالم، والآمر الناهي والمتحكم فيه، وإما العودة إلى قواعد القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على احترام مبدأ المساواة في السيادة بين الدول.وإن القضية الفلسطينية، وبحكم تاريخها الطويل، والمعاناة الصعبة للشعب الفلسطيني الأبي، قد أصبحت أم القضايا الدولية التي ينبغي حلها حتى تبدأ بقية القضايا في الحلحلة، بعد أن يختفي أحد الأسباب الأساسية في وجود حركات المقاومة، والنضال، والممانعة، ومكافحة التطبيع، وغيرها مئات المبادرات والحركات والتكتلات التي تقوم أساسا على مجابهة ظلم وتمييز وعنصرية إسرائيل.

وهناك يقين أنه لا يمكن أن تكون هناك عدالة دولية، ولا يمكن أن تستعيد هيئة الأمم المتحدة مكانتها، وأن تسود قوانينها، ومبدأ المساواة في السيادة بين الدول، دون استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه. فهل لهذا السبب تتآمر إسرائيل ضد روسيا؟ لمنع قيام نظام عالمي متعدد القطبية، وسعيا وراء بقاء الحال على ما هو عليه، لما في ذلك من تداعيات سلبية على عودة القانون الدولي الحقيقي بدلا مما يسميه الغرب “النظام القائم على القواعد”، والذي وصفه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في حديثه أمام ممثلي دول الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا منذ أيام بأنه نظام ذو قواعد “تختلف من حالة لأخرى، ولا توجد له معايير موحدة أو مبادئ عامة، باستثناء قاعدة واحدة: إذا ما رغب الغرب في شيء، فعلى الجميع الامتثال.

Facebook Comments

Comments are closed.