ثقوب في قلب المحور: اوروبا بحاجة الى سياسة خارجية مستقلة لاثبات مصداقيتها

للكاتب عوض سليمية

في كلمته المسربه أثناء إجتماع خاص ضم النخبة السياسية والعسكرية الفرنسية، كشف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن جملة من الاخطاء إرتكبتها اوروبا وأوقعتها في حزمة من التحديات. وكان من أخطرها، حالة الصدام العسكري شبه المباشر مع روسيا في الازمة الاوكرانية الدائرة. واعترف ماكرون امام الحضور، أن أكبر خطيئة جيوسياسية وقعت فيها أوروبا في القرن الحادي والعشرين هو التخطيط لطرد روسيا، الامر الذي ادى الى اهتزاز هيكل الثقة في المنظومة الامنية والعسكرية في أوروبا. واضاف، لن يكون هناك سلام في القارة إذا لم يقم الاوروبيون بتيسير العلاقات مع روسيا.

واشتكى ماكرون  من خضوع اوروبا تحت الاوامر العسكرية والسياسية لواشنطن في ظل عدم وجود جيش أوروبي خاص بهم بفعل الفيتو الامريكي. ويقر ماكرون ان الهيمنة الغربية على العالم باتت في مهب الريح وأن العالم الان يدور يدور حول قطبين: أمريكا والصين، وسيتعين على أوروبا الاختيار بين هذين الحاكمين.وهذه المكاشفة الصريحة تندرج في إطار استمرار تضارب المصالح بين بروكسل وواشنطن، والرغبة الجامحة لدى الاخيرة في إستمرارية مصادرة القرار الاوروبي المستقل. وانها تذكر بموقف إحلال الشركات الامريكية مكان الفرنسية في صفقة الغواصات النووية مع استراليا في وقت سابق.

وما إن بدأ غضب الرئيس ماكرون يسترخي، حتى اعلنت واشنطن عن إنشاء شراكات عسكرية جديدة “لحماية مصالحها” في منطقة المحيطين الهندي والهادي. حيث اطلقت عليها اسم تحالف “اوكس AUKUS” في ظاهره المعلن، فرض الامن والاستقرار في الممرات المائية في المنطقة، وباطنه تنفيذ بنود استراتيجيتها الجديدة المعلنة ومحورها إحتواء الصين. وهذا التحالف ضم كل من (بريطانيا، استراليا الى جانب واشنطن)، وتم استثناء باريس – والتي تنازع المانيا على زعامة القارة العجوز، من التحالف الجديد. وكانت هذه الضربة الثانية التي تلقتها باريس من حليفتها واشنطن في ظرف عام واحد من ولاية الرئيس بايدن.

وضمن هذه المواقف، لم تستثني واشنطن ثاني اقرب حلفائها من الصف الاول في حلف الناتو من سياسة اللكمات، وهذه المرة كانت المانيا. وبتاريخ 8 شباط 2022 اعلن الرئيس بايدن امام المستشار الالماني شولتز، عزم الولايات المتحدة على “وضع حدا” لمشروع السيل الشمالي2 ” نورد ستريم2″ الناقل للغاز الروسي والذي تعتبره برلين شريان حياة مساند لشقيقه نورد ستريم1، في تأمين مصادر الطاقة الكافية لبرلين وبالتالي تعزيز العلاقة مع روسيا. وقررت ألمانيا الغاء شراء صفقة مقاتلات بريطانية بقيمة 10 مليار دولار، تم الاتفاق عليها مسبقاً مع لندن، لصالح شراء  طائرات أمريكية من طراز “إف 35” من شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية. الامر الذي لاقى استياءً من لندن على هذه الخطوة.

ويرى مراقبون غربيون ان الخطوة الامريكية تندرج في إطار خطط واشنطن الساعية لافشال المشروع “الفرنسي، الالماني، الاسباني” والمعروف بإسم  “منظومة القتال الجوي المستقبلي” والذي تم تصميمه بهدف تطوير نظام دفاع جوي أوروبي مشترك من الجيل الخامس، مستقل عن الولايات المتحدة، تم الاتفاق عليه بين كل من ايمانويل ماكرون والمستشارة الالمانية السابقة انجيلا ميركل مطلع العام 2017 والتحقت اسبانيا بالمشروع في شهر مايو 2019. وفي الواقع، فإن إفشال نواة هذا التكتل العسكري الاوروبي الجديد يجهض فكرة إيجاد جيش اوروبي موحد ومستقل، ويصب في مسار ابقاء اوروبا رهينة مفهوم الحماية العسكرية الامريكية في إطار حلف الناتو.

وبالنظر الى سياسات واشنطن المُعلنة في الدفع باقصى قوة نحو تحقيق مصالحها، بعيداً عن مصالح أقرب حلفائها من الغرب الجماعي، بما فيها، الدفع بإقتصاد اوروبا نحو الهاوية، الاستحواذ على الصفقات التجارية والعسكرية لصالح شركاتها، كبح رغبات قادتهم في ممارسة سياسة مستقلة خاصة بهم، الى جانب إجهاض أي محاولة لانشاء جيش مستقل يهدد سيادة واشنطن على حلف الناتو. وهذه المؤشرات وغيرها، تطلق صفارة انذار مبكرة على مسامع قادة الاتحاد الاوروبي، بيانها اذا ما اردتم ان تكونو لاعبين موثوقين على الساحة الدولية، فإنتم لا تحتاجون للوقوف امام المرآة طويلاً صامتين. بل يترتب عليكم إبداء حرصاً مماثلاً على مصالحكم، حتى لو تعارضت مع مصالح واشنطن.

Facebook Comments

Comments are closed.