هل ينعكس التصعيد في أوكرانيا على الحالة السورية؟

للكاتب عبد الحميد فجر سلوم

يبدو أن الوضع في أوكرانيا في طريقهِ إلى مزيدٍ من التصعيد.وان المواجهة الأمريكية الروسية تتّسع رقعتها إلى خارج أوكرانيا.وهذا ما ينعكس بشكل مباشر على الحالة السورية.واليوم العالم أمام حرب عالمية ثالثة غير مُعلَنة.. ولكن طرَفا الحرب هُما: ان الولايات المتحدة وكافة حلفاؤها في حلف الناتو(وبلغت 31 دولة) فضلا عن الدول التي تدور في الفلك الأمريكي، كما أوستراليا وكوريا الجنوبية واليابان ونيوزيلندا..ومن الطرف الآخر هناك روسيا فقط (ومعها بيلاروسيا) وهناك دولا تتعاطف مع روسيا ضد الناتو، وتميلُ إليها، ولكن ليس لدرجةِ التحالُف، كما هو حال دول الناتو.. فحتى الدول المتعاطفِة مع روسيا، تحرص بأن تؤكِّد دوما أنها مُحايدة، وأنها لا تدعم روسيا في الحرب..

وهناك أربع دول تسعى جاهدة للإنضمام للناتو وهي: السويد، جورجيا، أوكرانيا، البوسنة والهرسك.. وقد أيّدَ الرئيس التركي أردوغان انضمام أوكرانيا، خلال لقائهِ رئيسها يوم الجمعة 7 تموز/ يوليو، حينما صرّحَ أن أوكرانيا تستحق الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي.. وكان في وقتٍ سابقٍ قد أيّدَ امتداد الناتو شرقا.. كما أنه أغضبَ موسكو حينما سلّم الرئيس الأوكراني الضبّاط الأوكران المعروفين بقادة كتيبة آزوف، الذين سلّمتهم موسكو إلى أنقرة في صفقة تبادُل أسرى، كانت وسيطة بها، وكان الشرط أن يبقوا في تركيا حتى نهاية الحرب.

والغريب أن كافة الدول التي كانت أعضاء في حلف وارسو، انضمّت إلى حلف الناتو.. وحتى جمهوريات البلطيق الثلاث (أستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا) التي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي، انضمّت لهُ أيضا، بدل أن ينأى كل أولئك بأنفسهم عن سياسة الأحلاف التي لا تجلب للعالم إلا المزيد من التوترات والحروب وبعد أن جرّبوها خلال كل زمن الحرب الباردة..ومعلومٌ أن حلف الناتو واسمهُ الرسمي كان يهدف في زمن الحرب الباردة لمواجهة الإتحاد السوفييتي، وحلف وارسو، ولكن انهار الإتحاد السوفييتي، وانتهى حلف وارسو، فلماذا حلف الناتو يحرص على أن يبقى ويقوى ويتوسّع ويتمدّد؟.

طبعا هُم يُبرِّرون ذلك بالقول أن بقاء الحلف هو لضمان الأمن والسلام والاستقرار الدولي، في أوروبا وخارجها، وللحفاظ على القيم المشتركة لدول الغرب.. أي بكلام آخر هُم يعتقدون أن استمرار الهيمنة الغربية، هو ضمان للاستقرار العالمي.. وهنا تكمن المشكلة.. إنها في هذا التفكير الغربي.. فكان الأجدى بهم، على الصعيد الأوروبي:أولا،  تعزيز دور منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (مقرها فيينا) وهذه تضمُّ 57 دولة، وبينها الولايات المتحدة، وكندا.. ولها مؤسساتها الخاصّة، ومنها جمعية برلمانية.. وقد انبثقت عن مؤتمر هلسنكي بين الشرق والغرب عام 1975 ، واعتمَدَت جميعها ما يُعرف بوثيقة هلسنكي المهمة جدا..

والامر الثاني  تعزيز دور (مجلس أوروبا) الذي يضمُّ 47 دولة أوروبية ، وتأسّس منذ عام 1949 ، وله مؤسساته الخاصة أيضا، ومنها: الجمعية البرلمانية، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.. وبعد أن وقّعت كافة أعضائهِ على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان..وعلى الصعيد العالمي، كان الأجدى، تعزيز دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والالتزام بميثاقها..وان المسألة المثيرة للاهتمام، أن الدول التي كانت سابقا جزءا من المنظومة السوفييتية الشرقية، هي من اندفعت بقوة وبحماس للانضمام إلى هذا الناتو.. وهي من ذهبت لهذا الناتو بدفعٍ من شعوبها وبرغبةٍ وإرادةٍ جماعية.. فهذه الشعوب ترى نفسها جزءا من الثقافة والقيم الغربية، ولذلك كانت الرغبة عارمة للانضمام للناتو، وللإتحاد الأوروبي، وكأنها ردّة فعل على تاريخها السابق..

هذا الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في أوكرانيا، طبيعي أن ينعكس في كل مكان.. لاسيما في سورية، حيثُ قوات الطرفين موجودة، وقواعد الطرفين العسكرية موجودة، وطائرات الطرفين تحلِّق في السماء السورية..ولذلك كانت هناك مؤخّرا شكاوى أمريكية من اقتراب المقاتلات الروسية من قاعدة التّنف، واعتراض المقاتلات الروسية لطائرات أمريكية بدون طيار، وعلى مسافة قريبة، الأمر الذي اعتبرهُ قائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأمريكية، أليكس غرينكويتش، أمرا غير مهني، وغير آمن، ويهدد سلامة قوات التحالف والقوات الروسية.. فضلا عن اعتراض طائرات فرنسية للتحالف قرب الحدود السورية العراقية..

Facebook Comments

Comments are closed.