العراق في دائرة الخطر -الاقتصادي الاحادي

د.حسين الاسدي

شخّص المختصّون مراراً مشكلة الاقتصاد الأحادي القطاع (Mono-Product Economy) الذي يعتمد على النفط كمصدر وحيد لأعداد الموازنات، لكنه ما زالت الحكومات العراقية المتعاقبة تعمل بنفس الطريقة والأسلوب، ولذا فأنه لم يكن صادماً للمراقبين الأرقام التي أعلنتها وزارة النفط العراقية حيث بلغت كمية الصادرات من النفط الخام (103.144.911) برميلاً، بنحو كان مجموع واردات شهر نيسان (1.400.000.000) دولاراً تقريباً.
واشارت الى ان المعدل اليومي الكلي للصادرات بلغ (3.438.000) برميلاً،
وان معدل سعر البرميل الواحد بلغ (13.801) دولاراً.
هذه الأرقام لشهر نيسان قبل بدأ التزام العراق بتخفيض صادراته بعد الاتفاق مع (أوبك +) والذي يقضي بأن يخفض العراق ما نسبته (22.8%) الى منتصف السنة الحالية.
فيكون معدل صادرات العراق اقل بـ (23.517.039.708) برميلاً أي ما يساوي (79.627.871.292) برميلاً وإذا اخذنا نفس سعر البرميل (13.801) دولاراً فان واردات العراق ستكون (1.100.000.000) دولاراً تقريباً.
اما النصف القادم من السنة فيلتزم العراق بتخفيض صادراته النفطية بنسبة (18%)أي (18.566.083.98) برميلاً، أي ما يساوي (84.578.827.02) برميلاً، وإذا اخذنا نفس سعر البرميل (13.801) دولاراً فان واردات العراق ستكون (1.200.000.000) دولاراً تقريباً.
وعند احتساب النصف الثاني من السنة الحالية معنى ذلك ان واردات العراق النفطية تكون (7.000.000.000) دولاراً تقريباً، وإذا اضفنا لها شهر مارس الجاري (8.200.000.000) دولاراً تقريباً، بينما كانت موازنة 2019 لسنة مالية تساوي لرواتب المتقاعدين من المدنيين والعسكريين (9.316.652.417.000) ديناراً عراقياً، ورواتب الموظفين تساوي (43.404.629.267.000) ديناراً عراقياً ومجموع الرواتب السنوي لعام 2019 يكون ما مقداره (52.721.281.684.000) ديناراً عراقياً مما يعني ان العراق يحتاج شهرياً الى (4.393.440.140.000) ديناراً عراقياً، واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان تصريف الدينار العراقي 1200 دينار لكل دولار يعني ان العراق يحتاج شهريا الى (3.660.000.000) دولاراً تقريباً، بينما الناتج المحلي للعراق هو (1.100.000.000) دولاراً تقريباً لشهر مارس و(1.200.000.000) دولاراً تقريباً للأشهر القادمة فالعراق يحتاج الى (2،5) مليار دولار تقريباً شهرياً لكي يغطي نفقات الرواتب الشهرية فقط، واما بقية النفقات التشغيلية فالأمر يواجه صعوبة بالغة، فالعراق كان قد بنى موازنته لعام 2019 –الوقائع العراقية: العدد 4529 في 11/2/2019- على 120 مليار دولار تقريباً واكثر من ( 78% ) منها نفقات تشغيلية مما يعني ان هذه النفقات مستمرة ويحتاجها العراق فكيف يمكن لدولة تتطلب نفقاتها التشغيلية 93 مليار دولار بينما وارداتها لا تتجاوز 15 مليار دولار بفارق يتجاوز 75 مليار دولار، بالتأكيد ان الدولة العراقية في مأزق كبير وهي تتجه نحو الإفلاس لا تستغرب من هذا الحديث العراق على وشك الانهيار الاقتصادي، اما الأسباب فسوء التخطيط بل قل انعدامه فلماذا لم يعمل العراق في مجال صناعات النفط والغاز اليس العراق بلداً منتجاً للنفط ؟ فلِمَ لم توجد صناعة تكرير النفط (Oil Refining Industry) وصناعة البتروكيمياويات (Petrochemical Industry) لَوَفَرَ العراق الكثير من نفقاته التشغيلية وأيضاً عدّد من مصادر الاقتصاد فضلاً عن تشغيل الايدي العاملة.
ان العراق يمتلك ثروات هائلة في مجالات أخرى صناعية وزراعية وسياحية وموقع جغرافي متميز وغيرها تمكنه من التحول الى الاقتصاد المتنوع القطاعات (Diversified Economy) والنفط قد يهبط بشكل طبيعي وغير طبيعي حتى وصل الى اسوء أسعاره منذ عقود فكما هو معلوم ان النفط في نزول مستمر وان تصاعدت أسعاره وهو امر طبيعي بوجود الطاقة البديلة(Sustainable Energy) التي ستحل محل الوقود الأحفوري ((Fossil Fuel مثل البترول، والصخر الزيتي (Oil Shale)، والغاز الطبيعي، وهي طاقة أقل ضرراً على البيئة، وأكثر ديمومةً، لاعتمادها بشكلٍ أساسي على الموارد الطبيعية المتجددة، وهذا نزول طبيعي كما ان جائحة كورونا (COVID-19 ) سبّب هبوطاً لأسعار النفط بشكل غير محسوب ولا مدروس فهو من الأسباب غير الطبيعية لهبوط النفط وتأتي الازمة الاقتصادية مع فقدان صناديق الاستثمار السيادية (Sovereign Wealth Fund) وهو صندوق يخضع لنفس فكرة صندوق الاستثمار العادي ولكنه لا يدير أموال افراد ولا شركات ولا هيئات، إنما يدير أموال دول وحكومات.
فعلى مستوى الأمد القصير وبأسرع ما يمكن يتطلب من الحكومة العراقية تقليص النفقات غير الضرورية وكشف عمليات الهدر والسرقات ففي مجال الوظيفة فيوجد الموظف الوهمي (Ghost Employee) باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة (Definition Of Identification) كما وهناك تفاوت كبير بين الرواتب يتطلب معالجات حقيقية وعادلة فضلاً عن التعدد في الرواتب لفئات معينة على حساب الأخرى، بالإضافة الى الاستغناء عن المواد غير الضرورية التي تستورد من خارج العراق وخاصة في القطاعين الزراعي والصناعي مع تشجيع المزارعين للقيام بمهامهم من خلال ضمان غلق الحدود كل المنافذ دون استثناء وتوفير المستلزمات الأساسية لهذه الصناعة، الزراعة الصناعية (Industrial Agriculture) هي شكل من أشكال الزراعة الحديثة التي تشير إلى الإنتاج الصناعي للماشية والدواجن والأسماك والمحاصيل.
إن أساليب الزراعة الصناعية هي تقنيات علمية واقتصادية وسياسية، وهي تشمل الابتكار في الآلات الزراعية وأساليب الزراعة، والتكنولوجيا الجينية، وتقنيات تحقيق وفورات الحجم في الإنتاج، وإنشاء أسواق جديدة للاستهلاك، وتطبيق حماية براعات الاختراع على المعلومات الجينية، والتجارة العالمية.
وتشجيع الصناعات الوطنية من خلال الاستفادة من الطاقات الكبيرة المتوفرة في العراق وخارجه، وخاصة الاستفادة من الخطوط الإنتاجية الجاهزة بعقد اتفاقيات مع الشركات العالمية المنتجة، فتوفر المال وتشغل الايدي العاملة.
اما على المستوى الاستراتيجي فانه يتطلب مراجعة شاملة لكل السياسات الاقتصادية والإدارية التي اضرت بالعراق ووضع خطط تتعدى ردّات الفعل وتتحول الى مشاريع عمل يمكنها ان تبني البلد، ان العقل الاقتصادي الذي حكم العراق الاربعون سنة الماضية دمر الكثير مما يمكن الاستفادة منه وجعل العراق من أكثر الدول فسادا وتخلفاً، كل هذا يمكن إصلاحه إذا توفرت الإرادة الحقيقية والخطط المدروسة لمعالجة مشاكل البلد.
الصفحة 1 من 3

Facebook Comments

Comments are closed.