“نائب البغدادي” يكشف تفاصيلاً مهمة عن داعش وموارده الاقتصادية

كشف سامي جاسم الجبوري “حجي حامد”، نائب زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، عن تفاصيل غاية في الأهمية عن إدارة التنظيم وحياة قياداته وعناصره، مبيناً أن إيرادات داعش كانت تتجاوز مليار دولار سنوياً من النفط فقط، فيما سرد عدداً من الجرائم والعمليات التي نفذها الدواعش في العراق وسوريا.

ونشرت صحيفة “القضاء” الشهرية الصادرة عن السلطة القضائية اعترافات الجبوري في عددها الأخير، حيث ذكرت أن عملية اعتقال الأخير نفذها ضباط عراقيون من جهاز المخابرات العراقي بعد ملاحقة ومراقبة شاقة استمرت نحو ستة أشهر، وبإشراف مباشر من قاضي أول محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا الإرهاب.

واشارت الى انه “تم استدراج أهم إرهابيي داعش وأشدهم خطورة (حجي حامد) عبر مدن أوروبية عدة، لينتهي أخيرا في قبضة جهاز المخابرات العراقي خارج الحدود، في تشرين الأول الماضي”.

وأضافت أنه “رغم الظروف الأمنية المشددة التي رافقت الانتخابات النيابية إلا أنه نقل إلى بغداد ليقف أمام القضاء، مدليا باعترافات حساسة ومهمة”.

نائب الزعيم ورجل المال

لم يكن “حجي حامد” نائب زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي فحسب، بل كان رجل المال واهم ركائز بناء التنظيم الإرهابي، الذي استغل احتياطيات الوقود الأحفوري في العراق وسوريا لضمان استمرار التنظيم الإرهابي، بحسب الصحيفة.

من مواليد عام 1974 يكنيه التنظيم بـ”حجي حامد” أو “أبو آسيا”، انضم لما يسمى “حركة التوحيد والجهاد” منذ 2004، ليتدرج في حركات إرهابية عدة آخرها داعش، ترأس أهم مؤسسات ودواوين التنظيم في العراق وسوريا، وأدار موازناته المالية.

وعرضت الصحيفة اعترافات “حجي حامد”، متحدثا عن “بيت المال” ومسؤوليته عن تجهيز مصروفات ضرب القوات الأمنية العراقية والسورية والمكافآت عن العمليات المفخخة، فضلاً عن بيانه للتقسيمات الإدارية لداعش.

الإرهابي “سامي جاسم الجبوري” عراقي الجنسية من قرية الشرقاط في صلاح الدين، تخرج من إعدادية صناعة الشرقاط، يعترف أمام قاضي أول محكمة تحقيق الكرخ المختصة بنظر قضايا الإرهاب بانتمائه الى تنظيمات إرهابية عدة واشتراكه في العديد من الجرائم.

“التوحيد والجهاد”

يقول الإرهابي أبو آسيا في معرض اعترافاته أمام قاضي التحقيق “بعد حصول الفراغ الأمني جراء أحداث عام 2003 جرى الاستيلاء على العديد من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة من المعسكرات وقمت بإخفائها في القرية التي اسكن فيها”.

وأضاف “وفي عام 2004 عند ظهور ما يقرب 12 فصيلا مسلحا تدعو لقتال القوات المشتركة والجيش والشرطة العراقية اشتركت مع إحداها وكانت تدعى حركة (التوحيد والجهاد) بقيادة (أبو مصعب الزرقاوي)، وزودت الحركة بالأسلحة والمقذوفات التي أخفيتها وبدأت بالعمل مع مجموعتي في زرع العبوات الناسفة وتجهيز السيارات المفخخة”.

وتابع أبو آسيا “بعدها صدر توجيه بتكفير كل مواطن يلتحق بالأجهزة الأمنية او يروم ذلك باعتباره مرتدا وخائنا ويحل قتله كما اصدرت فتاوى تكفر مذاهب أخرى، فعملنا على قتل وخطف من يخالف الفتاوى والتوجيهات وتم تفجير عدد من السيارات المفخخة على القوات الأمنية والأسواق والمناطق المكتظة بالمواطنين، وبعد فترة تم توحيد جميع الفصائل تحت راية (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) بإمرة أبو مصعب الزرقاوي”.

تزكية وعفو

كشف المتهم سامي الجبوري عن أن “أبو بكر البغدادي امر بقتلي في عام 2013 كوني اتهمت بالعمل لـ(جبهة النصرة) بإمرة الجولاني المنشق عن التنظيم، وبعد تدخل عدد من القيادات وتزكيتي أمام البغدادي أصدر عفوا بحقي وألحقني بمفصل المالية في ولاية نينوى كجابي أموال مع مجموعة من الجباة”.

وبين الجبوري “كنا نأخذ الإتاوات من ميسوري الحال وأصحاب محطات الوقود والشركات والتجار والأطباء بحجة مساعدة مقاتلي التنظيم، وتم قتل عدد من الميسورين لامتناعهم عن الدفع والبعض الآخر فجرنا داره او خطفناه هو او احد افراد عائلته، وكانت تصل قيمة اتاوات ولاية نينوى الى حوالي 500 ألف دولار شهريا يذهب النصف إلى البغدادي والنصف الآخر يوضع تحت تصرف والي نينوى”.

عمليات “الفتح”

يطلق التنظيم الإرهابي على عملية احتلاله لثلاث محافظات عراقية عام 2014 بـ”عمليات الفتح”، كأنها أراضي داعش وأعاد فتحها، بحسب صحيفة “القضاء”.

وقال الإرهابي ان “القيادات العليا وجهتنا بالإعلان عن ان التنظيم هدفه تحرير سنة العراق من القوات الكافرة ورفع القيود والحدود بين الدول المسلمة وتوحيدها، وبعد الاعلان بفترة وجيزة ابلغني احد المقربين من الأمير (البغدادي) بالاستعداد للمشاركة في عملية فتح محافظة نينوى”.

وقال “وفعلا جهزنا الأسلحة والمعدات وتم احتلال المحافظة وبعدها تمكن التنظيم من احتلال محافظتيّ صلاح الدين والانبار ومناطق من ديالى، وتم الاستيلاء على أثاث الدوائر الحكومية ومنازل الميسورين كما قمنا بإطلاق سراح كافة المتهمين والموقوفين وصادرنا بقايا الأسلحة في مراكز الشرطة، كما صدر توجيه بجمع قوائم أسماء منتسبي الأجهزة الأمنية ليتسنى لنا ملاحقتهم”.

جامع النوري الكبير

وأوضح الإرهابي حجي حامد أن “أمير التنظيم حضر إلى الجامع النوري بعجلات مضللة برفقة الإرهابي عبد الله قرداش وعدد من القيادات، واعتلى المنبر القيادي أبو محمد العدناني ليقدم البغدادي معلنا انه خليفة للمسلمين، وعند صعوده المنبر أعلن قيام الخلافة وحرضنا على الاستمرار بالقتال واحتلال باقي المحافظات والمناطق لنشر الإسلام، بعدها غادر الى جهة مجهولة”.

وأضاف “أصدرت القيادات بعد مغادرته توجيها بنصب السيطرات الأمنية في الولايات والبدء بإنشاء الدواوين لعمل هيكلية إدارية لتنظيم داعش وانشاء دواوين القضاء والجند والتعليم والصحة والدعوى والحسبة وبيت المال والركاز والزكاة والغنائم وتم تعيين مسؤولي الدواوين وتسلمت في فترة من الفترات ديوان بيت المال والركاز”.

ديوان الركاز

يعتبر من الدواوين المهمة في التنظيم حيث يختص ببيع المشتقات النفطية وعمل الآبار والحقول النفطية وكل ثمر يخرج من الأرض وباطنها، وتابع الإرهابي “عينت مسؤول الركاز في التنظيم بعد عملية الفتح ومن هذا الديوان بدأت باستغلال احتياطيات الوقود الأحفوري في العراق وسوريا لضمان استمرار التنظيم وتطويره”.

وأوضح “يتكون ملاك الركاز من 2500 فرد موزعين حسب الحقول والمحطات النفطية، اذ يتم استخراج النفط وباقي المشتقات من حقلي القيارة وعلاس بالقسم العراقي وحقول التنك وعمر والشولة وصعيوة وكوناكو في الجانب السوري وباستخدام الاليات الموجودة أصلا في الحقول لتجهز الصهاريج النفطية من الخزانات”.

وبين أن “النفط العراقي يباع الى الافراد من اصحاب المعامل ومحطات التكرير الصغيرة، وجزء يهرب الى خارج الولاية ليصل الى دول مجاورة يتحفظ على ذكرها، والجزء الأخير يباع في السوق السوداء عبر ميناء ضمن الاراضي المسيطر عليها في سوريا بـ180 دولارا للطن الواحد، حيث وصلت واردات التنظيم خلال سنتي عملي في الركاز لما يزيد عن مليار وربع المليار دولار سنويا تسلم الى ديوان بيت المال للتصرف بها”.

كما بين حامد وخلال تلك الفترة “كنت على تواصل مستمر مع البغدادي وأتلقى التوجيهات منه حيث التقيته ثلاث مرات لغاية عام 2016 مرتين في ولاية نينوى ومرة استدعيت الى سوريا للقائه غالبها تناولت أهمية عمل الديوان وإصدار بعض التوجيهات لتطوير العمل كون التنظيم بحاجة متزايدة للسلاح والعبوات والسيارات المفخخة”.

سك الدينار

في غارة لطيران التحالف عام 2016 قتل أبو علي الانباري وكان مسؤولا عن أهم دواوين داعش وهو ديوان بيت المال، وأشار الإرهابي إلى أن “قتل الانباري أحدث فراغا كبيرا في إدارة التنظيم، وعلى إثرها تم استدعائي عاجلا الى الرقة وبأمر من البغدادي كلفت بشغل منصب أمير بيت المال”.

وتابع الجبوري “هنا أصبحت مقربا وعلى تواصل مستمر مع القيادة العليا كون أمير بيت المال يجب أن يتسلم آلية توزيع موازنة الولايات والعديد من الأوامر من الأمير شخصيا”.

وأوضح أن “بيت المال يتكون من هيئة النقد والمحاسبة والرقابة، وبعد المباشرة تبين أن خزينة التنظيم فيها 250 مليون دولار و3000 كغم من الذهب مخزنة وموزعة في منازل وأنفاق تحت امرة عدد من منتسبي بيت المال، اغلبها عن صادرات النفط والجزء الآخر عن الغنائم المستحصلة من السرقات خارج حدود التنظيم والإتاوات وخطف بعض رؤوس الأموال والتجار ومساومتهم بالفدية”.

وتابع “بعدها توجهت الى أمر سك عملة ذهبية وفعلا قمنا بإصدار (دينار إسلامي) صنعناه من الذهب الخالص ليستخدم في التداول وعمليات البيع والشراء داخل أراضي التنظيم، وفعلنا تزويد منتسبي ديوان الجند بمبلغ يصل لأكثر من 30 ألف دولار عن كل سيارة مفخخة تجهز للتفجير على القوات الأمنية، وكانت مسؤوليتي الأساسية كأمير لهذا الديوان تتمثل بجمع الإيرادات ومنح الموازنات للولايات ولديوان الجند لتستخدم في شراء التجهيزات المطلوبة لضرب القوات الأمنية في العراق وسوريا”.

عمليات التحرير

وكشف سامي الجبوري عن بدء عمليات التحرير من قبل القوات العراقية عام 2017 قائلا “عند وجودي في ولاية الفرات ولحصول تقدم للقوات العراقية اضطررت لإصدار أوامر بنقل جميع أموال التنظيم من العراق الى سوريا وتحويل الأموال إلى حسابات شخصية خارج مناطق سيطرة التنظيم ودفع مبالغ إلى الولاة لانقطاع طرق التواصل”.

بعد تقدم القوات العراقية وانحسار أراضي سيطرة التنظيم وقطع اغلب طرق الإمداد من العراق، كشف الجبوري “صدرت أوامر عليا بحل جميع الدواوين والإداريين في العراق والحاق المنتسبين كافة بديوان الجند لصد تقدم الجيش العراقي”.

وقال “عند تواجدي في الولاية (ما تسمى بولاية الفرات التي كان يديرها في حينها المتهم أبو حسين الاعور) حدثت معركة بين القوات الأمنية العراقية وافراد التنظيم، ولكوني موجودا واعتبر في منصب مقرب من القيادة العليا قمت بوضع خطة لهذه المعركة كون القوات الامنية كانت تتقدم باتجاه مركز ولاية الفرات (القائم)”.

وأضاف “وضعت خطة الهجوم على القوات الأمنية لصدهم وكانت تتكون من ثلاثة خطوط الأول للمقاتلين الهجوميين والانتحاريين والانغماسيين، والثاني يتشكل من المقاتلين المؤازرين لغرض تشكيل خط صد ودفاع في حالة الانسحاب، والثالث يتكون من مفارز الإسناد لإطلاق قنابر الـهاون والصواريخ وتم التنفيذ ونجحت في تأخير التقدم فقط”.

إعفاء كاذب

وأكمل “بعدها ازداد الحصار وتقدمت القوات العراقية باتجاه القائم بمختلف الاتجاهات وبقصف جوي ومدفعي، وعلى أثر وصول القوات وجه امير التنظيم بانسحاب المقاتلين كافة الى داخل الأراضي السورية، وفعلا استطعت وعدد من المقاتلين العبور الى سوريا، وعند وصولي التقيت مباشرة بالبغدادي وحجي عبد الله قرداش ليتم التشاور على تنصيبي نائبا للأمير وبث إعلان داخل التنظيم بأنني أعفيت من مناصبي كافة تحسبا لإلقاء القبض عليّ لأكون غير معرف، لامتلاكي كافة المعلومات الحساسة عن أفراد التنظيم والية عمله ومفصله الاقتصادي الحساس”.

وتابع “وعند تقدم القوات السورية في عام 2018 وانقطاع اغلب طرق التواصل وهرب العديد من مقاتلي التنظيم وتسليم البعض الاخر نفسه الى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أرسلت زوجاتي الأربعة وافراد عائلتي الى احدى الدول المجاورة”.

وأشار الجبوري إلى أنه “بعدها بفترة وجيزة قمت بالتنسيق مع احد المهربين السوريين لترتيب خروجي واللحاق بهم وفعلا تجاوزت الحدود بصورة غير مشروعة وبعد وصولي لهم اتخذت إجراءات أمنية للتخفي في تغيير مظهري وقمت بشراء مكائن خياطة كغطاء لعملي الفعلي تخفيا من القوات الأمنية، كون مكافأة من يقدم المساعدة في القبض علي وصلت الى 5 ملايين دولار”.

اعترافات مهمة

من جانبه أكد قاضي أول محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا الإرهاب ان “المتهم اعترف بجرائمه دون أي ضغط او إكراه وبحضور المدعي العام ومحاميه، حيث قام بقتل العديد من افراد القوات العراقية من خلال زراعته للعبوات الناسفة كونه انتسب الى حركة التوحيد والجهاد الإرهابية، إضافة الى مشاركته في خطف ميسوري الحال وغيرهم بعد عام 2014”.

وأضاف القاضي أن “المتهم الإرهابي تسلم مناصب عليا في تنظيم كأمير لديوان الركاز وبعدها ديوان بيت المال الى نائب للأمير تنظيم داعش الإرهابي ومن خلالها قام بوضع الخطط العسكرية وجهز التنظيم بالعدد والعدة وطور المنظومة المالية ليستخدم تلك الموارد في تنفيذ العمليات الإرهابية وصرفها في ضرب القوات العراقية والسورية وتجهيز العجلات المفخخة وتوزيعه مكافئات عن هذا النوع من العمليات”.

وأكد ان “المحكمة بصدد احالته الى المحكمة المختصة لإصدار الحكم العادل بحقه”.

مقالات ذات صلة