الحكيم: لا يمكن عودة الإستبداد او التفرد أبداً.. ويحدد “مكمن الخطر”

أعلن رئيس تحالف قوى الدولة الوطنية، السيد الحكيم، رفض “العودة الى الاستبداد والاحتكار أو التفرد” محدداً “الصفات المطلوبة في تسمية رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المقبلين”.

وقال السيد الحكيم في كلمته بالحفل الرسمي ليوم الشهيد العراقي الذي اقيم بمكتبه في بغداد اليوم السبت :”إن ساحتنا العراقية اليوم تمر بمنعطفات وتحولات كبيرة تستدعي منا جميعا الإنتباه والوعي المضاعف، لنتمكن معاً من تجاوز آثارها السلبية وحصاد إيجابيتها لصالح شعبنا، ومن هنا يجدر الوقوف عند النقاط التالية:
أولا- إن أولى أولوياتنا التي يجب أن نحافظ عليها ونصونها ونعمل على تكريسها هي حرياتنا السياسية والإجتماعية والدينية والثقافية التي تحققت بفضل شهداء العراق الأبرار، فلا يمكن القبول بالتراجع عن ذلك أبدا، والعودة الى الإستبداد او الإحتكار او التفرد تحت أي ظرف ومن أي طرف كان.
ونعني بذلك حرية التعبير والكلمة والموقف، وحرية الحركة والطرح والسلوك، وكل ما يجعل من بلادنا مناخاً آمنا للجميع، من دون مخاوف أو مخاطر أو محاذير الا ما إستثناه الدستور والقانون .
ثانيا- بعد مرور عقدين على التجربة الديمقراطية في العراق، يجب أن نؤمن بأن السبيل الوحيد للتغيير والإصلاح والإستقرار هو التداول السلمي للسلطة والممارسة القانونية لها، فالديمقراطية من تضمن فرص المشاركة أو المعارضة أو الحياد الإيجابي وتبادل الأدوار والمواقع بمرونة وسلاسة وأمان.
ولذا فإن الإحتكام الى قواعد الديمقراطية يجب أن يكون منهجا ملزما للجميع، فلا يحق لطرف أن يلجأ الى المعارضة غير السلمية ولا يحق لطرف آخر أن يمارس سلطته لقمع الآخرين وتصفيتهم وتهميشهم، فالعراق أكبر منا جميعا ويستوعبنا جميعا ولا يختزل في أحد منا مهما كان.
فالميدان الإجتماعي مفتوح ومتاح للمنافسة الشريفة، في المناهج والبرامج والمشاريع السياسية ويبقى الخيار لصاحب الحق الأول وهو الشعب، في إختيار ما يراه صالحا.
وبهذا الصدد ندعو لأن يكون الدعم لأي مرشح في الحكومة القادمة خاضعاً للبرنامج الحكومي والأهلية الكاملة للمهام التنفيذية التي يمنحها المنصب لذلك المرشح..
فنريد رئيساً للجمهورية قادراً على إتخاذ القرارات والخطوات الدستورية بعيداً عن الضغوط الحزبية، ونريد رئيس حكومة يتحمل كامل مسؤوليته في إدارة الكابينة الوزارية وتنفيذ برنامجها الحكومي المقرّ وتحقيق النجاح بعيداً عن الضغوط والإنحيازات السياسية لهذا الطرف أو ذاك.
ونريد وزيراً ومسؤولاً حكومياً يمارس دوره القانوني في تنفيذ برامج مؤسسته وإختيار فريقه بعيداً عن الحسابات السياسية والمصالح الفئوية الضيقة نريد مسؤولاً وطنياً حراً لبلد ذي سيادة وقرار وحكومة خادمة وراعية ودولة مقتدرة وقوية.
ثالثا- العقلانية و سعة الرؤية : إن ساحتنا السياسية تنضج وتتقدم، رغم بطء العملية، وهي بحاجة الى دعامات إضافية، تعقلن الحراك السياسي وتمنحه سعة مضاعفة لإدارة الدولة ومؤسساتها .
إن العقلانية وسعة الرؤية تمنح الحكومات القدرة على إستيعاب جميع الطاقات والكفاءات الوطنية (الموالية والمعارضة) في خدمة الدولة وهي ذاتها تمنح المعارضة القدرة على إبداء الرأي والنقد البناء لمعالجة الإشكاليات بعيداً عن الشخصنة والإنفعال والمزاجيات.
نحن بأمس الحاجة الى التكامل في الأدوار السياسية بعيداً عن لغة الإتهامات وفرض القناعات والإستبداد بالآراء والمناهج، ولا ننسى أن الأهداف الكبرى تمنح أصحابها الحكمة وسعة الصدر والأفق بعيداً عن الإنغلاق والتفرد والعناد.
رابعا – إعادة ثقة الناس بالدولة : لنكن صريحين و واضحين مع أنفسنا، بأنَّ أبناء شعبنا الكريم قد سئموا من الخلافات والنزاعات الحزبية الضيقة، إنهم ينتظرون الأفعال لا الأقوال، والتغيير لا التدوير، وتحمل المسؤولية لا رميها والتنصل عنها، والحراك لا الجمود، وتحقيق الأماني لا تعليقها، والإستقرار والخدمة والعمران لا الإدعاءات والأعذار والتبريرات.
وهذا كله بحاجة الى أن تتحمل الحكومة القادمة كامل المسؤولية عن إدارتها للدولة، كما تتحمل المعارضة كامل المسؤولية عن الرقابة والمتابعة والنقد البنّاء لعمل الحكومة ومؤسساتها، بعيداً عن الصراع والشخصنة.. عسى أن تستعيد الدولة والقوى الفاعلة سياسيا علاقتها الطبيعية بأبناء الشعب.
ولنتذكر دوماً بأن ما يقارب الثلثين من ألناخبين لم يشاركوا في الإنتخابات الأخيرة وهناك أغلبية صامتة تنتظر لترى المآلات والمتغيرات، لتحسم خياراتها بالسلب او الإيجاب.
وفي هذا السياق أدعو الحكومة الجديدة الى الإستماع الى كافة شرائح المجتمع وإتاحة الفرصة لها للمشاركة في كتابة البرنامج الحكومي، ليكون برنامجا شاملا ومقبولا من الجميع، وملبيا لطموحات أبناء شعبنا وهمومهم وأولوياتهم .
خامسا : العدالة : يجب ان تكون القرارات والإجراءات على مستوى الدولة والحكومة عادلةً ومثمرة وأن يكون التوزيع العادل للثروات والفرص والإمكانيات شعار المرحلة القادمة.
وسأتحدثُ اليوم عن الأغلبية الإجتماعية والسكانية التي تشكو محافظاتها في الفرات الأوسط والجنوب من الإهمال والتهميش والفقر ونقص الخدمات، بما لا يمكن  قبوله في المرحلة القادمة.
إن الإستقرار النسبي القائم، يغلق الباب أمام العوائق والمجاملات والمجادلات السابقة فلنخلق النموذج الناجح في الفرات الأوسط والجنوب وننتشل واقعها المرير وننقذ بغداد والمحافظات الغربية والشمالية من الإهمال والفقر والتهميش.
نريد تخطيطاً وتمويلاً وتنفيذا عادلا لجميع المناطق وخاصة المحرومة والمهمشة مركزياً ويجب أن تأخذ البصرة وذي قار وميسان وواسط حقوقها النفطية والمالية الكاملة.
سادساً- ندعو الحكومة الجديدة الى تمكين الكفاءات الوطنية والمستقلة والشبابية في  صفوفها، فشباب العراق الذي فسح المجال أمام الإنتخابات المبكرة ومكنّ البرلمان الحالي بتضحياته وإحتجاجاته، يستحق أن يكون له وجود ملموس في مؤسسات الدولة والمواقع العليا.
سابعاً- التحديات الإقتصادية الكبيرة التي نواجهها اليوم والمؤشرات التي تدل على إحتمالية تفاقمها في الأعوام المقبلة تتطلب إتخاذ إجراءات رادعة للحيلولة دون ذلك.
فالبنى التحتية بحاجة الى الإهتمام والمشاريع الإستراتيجية بحاجة الى الإنطلاق والزراعة والصناعة وآليات الإستثمار بحاجة الى التطوير والتفعيل والزيادة السكانية في نمو كبير ومعدلات البطالة بين الشباب في إزدياد خطير فما قيمة عملنا السياسي إذا لم ينتج حلولاً عمليةً و واقعية لمواجهة التحديات السياسية والإقتصادية التي تهدد بلدنا وشعبنا ومستقبل أجيالنا وما قيمة إجتماعاتنا ولقاءاتنا الدورية إن لم تكن ضمن رؤية موحدة وإرادة صلبة لترتيب الأولويات ومواجهة الأزمات..
نعم هناك منجزات وهناك مشاريع ناجحة وهناك مبادرات نوعية لكنها غير متراكمة وتعاني من التصفير السياسي مع كل حكومة جديدة وكأن كل حكومة تلعن التي سبقتها وهنا مكمن الخطر ولذلك فإنَّ مواجهة الأزمة الإقتصادية هي أولى أولوياتنا في المرحلة المقبلة وهو ما يتطلب حكومة ذات برنامج إقتصادي واضح المعالم  ومحدد بأسقف زمنية تنفذها حكومة شجاعة قادرة ومتمكنة من تشخيص الحلول والمضي نحوها كفانا سياسة وصف المرض دون علاج.. وإلقاء التهم والمسؤولية في ملاعب الآخرين.
وفي هذا السياق أدعو الى الإهتمام المضاعف بملفات الكهرباء والصحة والتعليم، ومكافحة البطالة والفقر والمخدرات، ومتابعة الملفات الإستراتيجية ومنها الإتفاقية الصينية وطريق الحرير وميناء الفاو.
ثامناً- في ملف العلاقات الإقليمية والدولية : نحن نعتقد أن العراق قطع شوطا مهما في ترميم علاقاته مع جواره ومحيطه العربي والإسلامي وعلاقاته الدولية، بسياسة متوازنة ومحايدة وفاعلة، ونحن بحاجة الى التراكم والإستمرار في هذه السياسة.
إن الإنحياز لأي طرف على حساب الأطراف الأخرى أو معاداة جهات بعينها لصالح جهات أخرى، هي سياسة ثبت فشلها وعواقبها الوخيمة.
ليبقى العراق سيداً مستقلا حرا في سيادته، متوازناً وفاعلاً في علاقاته مع الجميع على أسس الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
مع تأكيدنا على رفض أي سياسات تدعو الى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، تحت أي ذريعةٍ او مبررات واهية.. وستبقى فلسطين قضيتنا المركزية عربياً وإسلامياً وسيبقى العراق مدافعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني.
تاسعاً – إن الأمن والسِلمَ والإستقرار الداخلي تمثل أهدافاً مقدسةً بحاجة الى تكاتف وتضامن مضاعف من كافة القوات الأمنية، خصوصاً مع بوادر حراكٍ متجدد للقوى الظلامية الإرهابية وتفعيل خلاياها النائمة.
إن تقوية الجيش والشرطة ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي والبيشمركة بالتدريب والتسليح والإمكانيات اللازمة باتت أموراً ضروريةً لإستمرار عمليات مكافحة الإرهاب وضبط الأمن وإعادة السيادة الكاملة.
عاشراً – نعلن إستنكارنا لكافة الخروقات الأمنية التي تستهدف المنشآت المدنية أو مؤسسات الدولة او البعثات الخارجية ونعدها خروقات مرفوضةً، ونحذر من أجندات تريد الإيقاع  بين مؤسسات الدولة ورمي التهم جزافاً على بعضها، وفي مقدمتها الحشد الشعبي.
إن سياسة الحوار والتفاهم والإعتراف بالآخر.. من المتبنيات الرئيسة لجميع الأديان السماوية والأعراف الإنسانية.. وقد أكد عليها ديننا الإسلامي الحنيف بقوله تعالى في كتابه الكريم “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..” مع دعوةٍ صريحةٍ الى الحكمة والموعظة الحسنة بقوله تعالى “أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”.
وبالتزامن مع أسبوع الوئام العالمي للأديان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وبات مناسبةً لتعزيز الوئام بين جميع الناس بغض النظر عن أديانهم.. فإننا نؤكد على أهمية الحوار والتفاهم على أسس المشتركات الإنسانية.. وبالحوار والتفاهم تبنى الشعوب.. وتزدهر البلدان.
واستذكر السيد الحكيم “وفي كل عام، في الأول من رجب يوم الشهيد العراقي المتزامن مع إستشهاد شهيد المحراب الخالد آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله تعالى عليه.
وبين إن “إستذكار العلماء و العظماء و المضحين وفي مقدمتهم الشهداء الذين بذلوا مهجهم ودماءهم الزاكية في سبيل الله والدين والوطن، يمثل محطاتٍ مضيئةً في نضج الشعوب ورقيّها ووعي الأمم وثرائها ويؤشر الارتباط الوثيق بقيم التضحية وإلايثار والبطولة والفداء.
وأضاف “نستلهم من شهداء العراق، كيف يجب أن نحيا وكيف نكون، وعلى أي شيء نتوحد ونتكاتف وأيَّ سبيل نسلك ونمضي وبأي أهداف نتمسك ونتعاهد إنَّ شهيد المحراب الخالد لم يكن لجماعة معينة ولا لفئة محددة بل كان أبا حنونا للجميع ومدافعا صلباً عن حقوق جميع العراقيين عرباً وكرداً وتركماناً مسلمين ومسيحيين إيزديين وصابئة وشبكاً وغيرهم بلا إستثناء”.
وتابع السيد الحكيم “لقد كان (قدس سره) يثق كثيراً في قدرة العراقيين على تجاوز المحن وحرصهم على وحدة التراب ودفاعهم عن القضايا الوطنية الخالصة فكان يراهن على صلابتهم وعزمهم في المضي نحو إنشاء دولة وطنية مقتدرة في الخدمة والرعاية تحفظ مصالح العراقيين في حكومة تؤمن لهم العيش بحرية وكرامة”.
وأشار الى ان “شهيد المحراب كان متمسكاً في منهاجه السياسي برباعية (الوحدة والحرية والإستقلال والعدالة ) وكان يعدها أهدافاً أساسية في مشواره ونضاله المتواصل الطويل فكان من دعاة وحدة الشعب العراقي بكل تلاوينهم وأطيافهم ومكوناتهم، وكان يعمل على إنتزاع حريتهم من مخالب الإستبداد والديكتاتورية، وكان مؤمناً بإستقلال وطنه وعزته وكرامته في كل الميادين، كما كان يدعو الى بناء الدولة العصرية العادلة، لينعم في ظلها جميع أبناء شعبه الأبي.
ولفت الى “إنها أهدافه العالية التي نتمسك بها ونعمل من أجلها، وندعو لها ونبشر بآثارها في كل الظروف”.
وقال :”كان شهيد المحراب شجاعاً صلباً في المواقف الحساسة والمفصلية والخطيرة، وكان متواضعا ومتعاطفا مع قضايا شعبه وآلامهم وجراحاتهم، لم يتنازل عن تلك القضايا والهموم بالرغم من كل ما تعرض له من مخاطر ومصاعب ومصائب، في نفسه وفي أهله وأسرته وإخوته وذويه، فقد تعرض طوال حياته الى محطات أزدحمت بالملمات والمواقف الصعبة.. من السجن والتعذيب، والملاحقة والتنكيل والهجرة، والإستهداف المادي والمعنوي، ومحاولات الإغتيال المتكررة، حتى فقد الأهل والأحبة، وعاش لوعة ومرارة إستشهاد الأصحاب ورفاق الدرب والمسيرة، ولم تكن كل تلك الهموم والضغوط، تجعله ينهار أو يستسلم، أو يتراجع أو يعتزل، ولنا فيه أسوة حسنة وأنموذج يحتذى”.
واستطرد السيد الحكيم بالقول “كان {شهيد المحراب} فاعلاً لا منفعلاً، ومؤثراً لا متأثراً، وقائداً لا منقاداً، وجامعا لا مفرقا، كانت له القدرة على أن يصنع تياراً ومشروعاً وطنياً و رساليا بحجم الدماء والتوقعات، وهي صفات جعلته محوراً ومرتكزاً للجميع”.
وأختتم كلمته بالقول :”إننا في تيار الحكمة الوطني نجدد العهد والوعد بأن نبقى حملة راية هذا الشهيد العظيم وأفكاره النيرة ومنهجه الوطني، ونعمل وفقا لهذه المبادئ والقيم الأصيلة”.

مقالات ذات صلة