«لا أصنف نفسي كنحاتة أو رسامة وخطاطة، بل أرى نفسي فيها كلها. أعمالي هي أنا، تحمل بصمتي وأفكاري».. هكذا كانت تصف الفنانة والشاعرة منى السعودي أعمالها.
تعد منى السعودي التي رحلت عن عالمنا بعد صراع مع المرض في 16من شباط الحالي من أكبر النحاتين في العالم العربي. ولدت الفنانة في عمان عام 1945 وكونت منذ طفولتها علاقة مع الحجارة والصخور والمنحوتات حيث كانت تقطن بجوار سبيل الحوريات ومجموعة من الآثار الرومانية بعمان وكان لهذه العلاقة تأثير مهم في موهبتها في النحت.
تعد منى رائدة في النحت التجريدي تُطوّع المادة وتُصقلها لتصوغ فلسفتها، وتستقي من الشعر والخط العربي محفزات تتكامل من خلالها منحوتاتها برسوماتها.
بدأت بنحت أعمالها الأولى في العشرين من عمرها، وأوّل معرض لرسوماتها كان عام 1963 في مقهى الصحافة في لبنان، ثم التحقت بمدرسة الفنون الجميلة بباريس عام 1964 حيث درست النحت بالحجر. وقدمت أوّل منحوتاتها في عام 1965 وكان موضوعها الأمومة. إذ تشتهر الفنانة اليوم بمنحوتاتها الهائلة التي تستقصي بحساسية شعرية بالغة مواضيع الإبداع، والأرض، والأم وتطور الكائنات.
أقامت السعودي معارض كثيرة لأعمالها في النحت والرسم بالعالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة وآسيا. ومن أعمالها النحتية “قمر مكتمل” من حجر الترافيرتين، وكذلك “أمزجة الأرض” و”شروق الشمس” و”كسوف القمر”، و “المتشرّد”، و”صبار”، من حجر اليشم الأردني الأخضر، و”ماء الحياة” من العقيق اليماني، “هندسة الروح” التي تقف أمام معهد العالم العربي في باريس، و”المرأة النهر” من الغرانيت الأخضر الزمردي. حيث تنتصب أعمالها في عدد كبير من متاحف العالم مثل المتحف الوطني للفنون الجميلة في الأردن، والمتحف البريطاني، ومعهد الفن في شيكاغو ومعهد الفن في ديترويت.
للسعودي أيضا كتاب بعنوان “أربعون سنة من النحت – 2007”، ولها كتابان شعريان “رؤيا أولى – 1970” و”محيط الحلم- 1993”.
تعمل السعودي بمزاجية إلى حد ما، لذا فهي تقرر دائما أن تقدم معرضاً خفيفاً عبر التركيز على الرسوم التي تختار دمجها بالشعر، وهذا يعود إلى علاقتها الوطيدة مع الرسم والشعر منذ الصغر.
تحب السعودي الشعر، وتصف أعمالها بكونها تأتي من ذاكرة شعرية، فحتى في البدايات لم تمارس نقل الطبيعة في عملها الفني، بل حملت أعمالها انطباعات، وكأنها تكتب الشعر بالأعمال، وأحياناً تكون مستوحاة بشكل مباشر من قصيدة أو شاعر، ومنها المجموعة التي كانت مستوحاة من شعر محمود درويش. كما كانت تلفت عبر حواراتها إلى أن بعض الرسومات مستوحاة من قصائد لمحمود درويش، وقصيدة لأدونيس تحمل اسم “رقيم البتراء”، وهي تحمل مقاطع لها علاقة بالحجر كون البتراء مدينة حجرية، حيث استوقفتها جملة (كل حجر مسكون بالغيب)، وشعرت بوجوب العمل لأنها كانت تشعر أن الحجر هو “مكان لتأمل ما ورائي”، إلى جانب هذه الأعمال قدمت قصيدة فلسفية للشاعر الفرنسي سان جون بيرس، التي قرأتها في السبعينات من القرن الماضي، وذلك عندما كانت تقدم رسومات بالحبر الصيني مع قصائد أنسي الحاج حين كان ينشر قصائده، إلى جانب إيتالو كالفينو، الذي لديه كتاب بعنوان “مدن لا مرئية”، وهو يحمل أشكالاً لمدن، منها المدينة التي تغني دائماً، فهذه الأشياء الخيالية والشعرية التي تحمل امتدادات تعطيها السبب للرسم.
ترتبط ذاكرة السعودي بمجموعة من الشعراء، فهي تحب علاقة محمود درويش بالأرض، وأمومة الأرض، وتصفها بأنها أمومة فلسطين والأرض بشكل عام، بينما وجدت في شعر أدونيس البُعد الفلسفي، خصوصاً في القصائد الطويلة والقديمة، لأنهما “صديقان مقربان لها”، كما كانت توضح.