أكد المرشح لتشكيل الحكومة المقبلة محمد جعفر محمد باقر الصدر، على ضرورة إكمال مشروع البناء وإدارة الدولة، مؤكداً على وقوف البرلمان، عند صياغة أي برنامج حكومي، جنباً إلى جنب مع الحكومة، لتوفير الدعم والغطاء التشريعي، لإنجاز المهمة.
وقال الصدر في مقالة بعنوان “مستقبل العراق بين إدارة الدولة ومشروع بنائها- نحو الانتقال من مرحلة السلطة وإدارتها إلى مرحلة الدولة وبنائها” نشرتها صحيفة “الصباح” الرسمية ، إنه “يواجهنا، بعد كلّ انتخاباتٍ، استحقاقان: الأول: هو إكمال مشروع بناء الدولة الذي لم يُنجز بعدُ، ببعديه: القانوني والسياسي” مضيفاً: “إذ لم تُطبّق مواد الدستور، ولم يُتّفق على أيّ دولةٍ نبني، وكيف؟ والثاني: هو انتخاب الرئاسات الثلاث من جهةٍ، وإعداد البرنامج الحكومي من جهةٍ أخرى، أي: إدارة الدولة”.
وأضاف: أنه “في كلّ مرّةٍ يُغفل الاستحقاق الأهم (بناء الدولة)، وننشغل بالاستحقاق الثاني (إدارة الدولة)”، مبيناً أنَّ “الاستحقاق الأول والأكبر؛ هو إكمال مشروع بناء الدولة وهو مشاركة جميع أبناء الوطن فيه، بجميع أطيافه وقواه المدنية وفاعلياته المختلفة، ومن ضمنها الأحزاب، أي المجتمع المدني”.
وأشار إلى أنَّ “هذا الأمر له بُعدان هما قانوني وهو صياغة وثيقة دستور البلاد، والتي تحدّد ماهية الدولة، وفلسفة الحكم، ونوع النظام، والحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم، وبين سلطات الحكم المختلفة، ثم تبدأ مرحلة تطبيق الدستور بعد إقراره، من خلال نفس القوى مجتمعةً، والتي ينبغي أن تستمرَّ في عملية البناء والتطوير والتعديل، بل التغيير إذا لزم الأمر مراعاة لمصالح البلد العليا، وتكيّفاً مع المتغيّرات”.
وتابع: “أما البعد المجتمعي، فهو أن لهذه القوى الحقّ في المشاركة الفاعلة لرسم السياسات المصيرية، والعالية الأهمية للبلد، من خلال الحوار والتواصل، وعبر المؤسسات الرسمية والشعبية المختلفة، حتى يشعر الجميع بدورهم بل واجبهم في بناء بلدهم، وتحديد خياراته، ورسم مستقبله”.
وشدد : “أننا إذ ندعو إلى تحقيق هذين الاستحقاقين، لا يمكننا أن نكتفي ببرنامج الحكومة المرتقبة وحسب، وذلك من خلال التفاهمات أو التحالفات بين القوى السياسية؛ بل حري بنا أن نعود أيضاً وبشكل جدي إلى أصل مشروع بناء الدولة”.
وتابع الصدر: “أما الاستحقاق الثاني؛ وهو برنامج لإدارة الدولة عبر مؤسساتها المختلفة: التشريعية والقضائية، وصولاً إلى السلطة التنفيذية، والتي عُهد إليها إدارة الحكومة، وفقاً لبرنامج زمني محدد، فيجب أن يستلهم من ستراتيجية بناء الدولة التي حُدّدت في المرحلة الأولى، في بعديها: القانوني والمجتمعي، مع حفظ الاختلافات والاجتهادات داخل هذا التحديد. وهنا يظهر الحراك السياسي، متمثّلاً بالأحزاب والقوى السياسية، المنخرطة في العمل السياسي برامج ورؤى، والمتواجدة في المؤسسات الدستورية كالبرلمان، والمعبرة عن شريحة من أبناء الشعب، فيتوجب العمل مع هذه القوى ضمن القواعد الدستورية، والعمل السياسي كالأغلبية والمعارضة والتحالفات وأمثاله”.
واكمل : “ونحن اليوم إذ ندعو إلى تحقيق هذين الاستحقاقين، لا يمكننا أن نكتفي ببرنامج الحكومة المرتقبة وحسب، وذلك من خلال التفاهمات أو التحالفات بين القوى السياسية؛ بل حري بنا أن نعود أيضاً وبشكل جدي إلى أصل مشروع بناء الدولة، والتي كتبنا دستورها بمباركة مرجعيتنا الرشيدة، وقبول أغلبية الشعب به عن طريق جمعية منتخبة، وحري بنا أيضاً أن نُجري حواراً جاداً بين أبناء شعبنا حول ما الذي نريده لعراقنا؟”.
وقال: “ولكنّنا، ويا للأسف، لا نزال نتعثر في تطبيقه بالشكل الكامل والصحيح، الأمر الذي جرّ إلى استصعاب ملء فجواته أو تغيير بعض موادّه التي يشوبها الغموض، مع أنّه الوثيقة التي تتضمن كلَّ المفاهيم التي يجب أن يسير عليها بناء البلد، فهل سنمتلك الجرأة على تطبيق الدستور ليتسنى لنا القول إنّنا شرعنا في الخطوة الأولى بالاتجاه الصحيح؟ وأن نكفَّ عن تضييع الوقت، والقفز على الاستحقاقات، والتمسك بمطالب فئوية ضيقة، ومحاولة التهرب من استحقاق الالتزام الكامل به؟ هل كتب الدستور بتضحيات شعبنا، ودعوات مرجعيتنا ليكون حبراً على ورق؟”.
ونوه: “أقول هذا لأنَّ هذه الوثيقة ترسم لنا معالم الدولة: سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وأمنياً، والحقوق والواجبات، وتنظيم السلطات، وغير ذلك، وما زلنا، مع الأسف، مشغولين في مواده الإجرائية والشكلية دون المضمون والمحتوى، لأنّنا لم ننتقل بعدُ “من مرحلة السلطة وإدارتها إلى مرحلة الدولة وبنائها”.
وشدد الصدر: “فلا بد من وقفة لحمل أمانة الشعب، وتطبيق الدستور بكل موادّه، والمضي قدماً في بناء الدولة، إنّنا بحاجة وبشكل جادّ ومستمرٍّ إلى حوارٍ مجتمعيٍّ بين جميع القوى المجتمعية، أحزاباً، وأعلاماً، ومثقفين، وواجهات اجتماعية، ودينية، ومنظمات غير حكومية، ومختلف النقابات العمالية والطلابية والمهنية، وجمعيات الأسرة والمرأة، والحوزات العلمية، والمؤسسات الدينية الأخرى، لنعمل على بلورة رؤًى مشتركة ومتفق عليها لما يحتاجه البلد، مع حفظ الاختلافات، بما لا يعرقل مسيرة بناء الدولة، وأنا أعلم مقدار الاختلافات، وتباين وجهات النظر، ولكنّ كل ذلك يمكن أن يُعالج إذا صدقتِ النوايا، وأخلصتِ التوجّهات”.
واردف قائلاً : “وينبغي الحذر الشديد من إبعاد الشعب عن بناء بلده، فمن أجل نهضة أمةٍ نحتاج إلى: مشاركة أبناء الشعب جميعهم في بناء هذا البلد؛ وإلى الشعور بالمسؤولية وتحمل الأمانة؛ وإلى تضحياتٍ وصبرٍ وعملٍ وجهدٍ؛ فكما استطعنا تقديم دمائنا لتثبيت هذه التجربة، فنحن أولى أن نبذل عَرَقنا ووقتنا وجهدنا لبنائها، لذلك ومن دون هذه المشاركة الفاعلة، فلن يتحقّق أي شيء، ونحتاج بالمقابل إلى وضوحٍ، ونزاهةٍ وتفانٍ من القائمين على الحكومة وأصحاب القرار”.
وبين أنه “لا بدّ لنا من معالجة الاستحقاق الثاني: برنامج إدارة الدولة، فإدارة الدولة لا تتكفل بها السلطة التنفيذية وحدها، فللسلطتين: التشريعية والقضائية دورٌ فاعلٌ ومهمٌ فيها، فأيّ برنامج حكومي سيحتاج إلى البرلمان لتشريع المطلوب من القوانين التي أشار إليها الدستور، أو التي تحتاج إليها الدولة في سياق عملها. وأي مخالفة للقانون أو برنامج مكافحة الفساد، سيحتاج إلى سلطة قضائية نزيهة وكفوءة للقيام بأعباء ذلك”.
وذكر “ولا بدّ من وقوف البرلمان؛ عند صياغة أي برنامج حكومي، جنباً إلى جنب مع الحكومة، لتوفير الدعم والغطاء التشريعي، لإنجاز المهمة، ولا بدّ أن يكون القضاء حاضراً بقوةٍ عند عدم تطبيق إجراءاتها ومحاسبة المخالفين”.
واوضح الصدر: “إذا أردنا بناء الدولة، واستناداً إلى الدستور، فلا بدّ لنا من الحوار المجتمعي والاتفاق على ما يلي: أن يكون قرارنا عراقياً مستقلاً، لا تابعاً، فيجب أن نقرر: هل نحن دولة سيدة أو تابعة؟ وأنّ العراق هو المصلحة العليا، وأن نبتعد عن سياسة المحاور”.
وبين أن “العراق دولة اتحادية، ينظم الدستور فيها العلاقة بين المركز والإقليم، ومن الضروري التوافق المجتمعي وبالحوار والثقة المتبادلة على ما يعترض تطبيق الدستور من مشكلات ومعوقات، وإخراج هذا الملف من المساومات السياسية الضيقة، وهو ملف النظام الإداري اللامركزي للمحافظات، وأن نتخلى عن أي مرجعية خارج البلد، فمرجعيتنا هي الدولة، نحميها، وتحمينا، بشعبها ودستورها ومؤسساتها. لتكون مرجعيتنا وطنية، وأن يُطبّق القانون على الجميع دون استثناء وحصر السلاح بيد الدولة (العنف المشروع)، وأن يكون السلاح لخدمة الوطن، وخضوع القوات الأمنية بكل مسمياتها لسلطة الدولة، وائتمارها بأوامر القائد العام، وتحديد صلاحياتها وإعادة هيكلتها وتطويرها، ومحاربة الفساد، وإيقافه عبر آليات متخصصة، وأن نختار ما بين الحكم الرشيد أو المؤسسات والبيروقراطية الفاسدة، والعدالة الاجتماعية، وتقليل الفوارق بين أبناء الشعب الواحد بكل الوسائل المتاحة”.
واضاف فائلاً: “وأن نقرر: ما هو شكل النظام الاقتصادي للبلاد؟ وأن نضع خطة اقتصادية متكاملة لبناء قطاعٍ خاصٍّ فعال وشريك للقطاع العام، وإصلاح النظام الإداري والمالي والنقدي للدولة، والموارد الطبيعية ملك الشعب عبر أجياله المتعاقبة، وعلينا أن نحسن الاستفادة منها وإدارتها؛ بما يحقق النمو والازدهار لنا وللأجيال اللاحقة، إلى غير ذلك مما يقع في سياق بناء الدولة، وجميع ذلك يحتاج إلى توافق مجتمعيٍّ لا سياسيٍّ”.
وشدد الصدر على أنه: “من الضروري جداً أن يكون البرنامج واضحاً محدداً وعملياً، وأن تتولى جهة معينة تطبيقه، وتحمّل مسؤوليته، وأن يخضع للتقييم والمراجعة، وهذا الأمر لا يحصل إلّا إذا كانت الجهة محددة، آخذة على عاتقها هذا البرنامج، لتستطيع تطبيقه وتحمّل مسؤولياته، لذلك فإنّ طرح الأغلبية الوطنية هو الآلية الأنسب لنجاح البرنامج الحكومي، والطريق الأمثل لإدارة الدولة”.
ونوّه: ” بأنَّ هذا الحل في مجال الاستحقاق الثاني، أي: إدارة الدولة، لحصوله على الأغلبية البرلمانية، وانفراده بتشكيل الحكومة، مما يحقق امتياز اتخاذ القرارات وتحمل مسؤولياتها، وليس في مجال الاستحقاق الأول، أي: بناء الدولة؛ فبناء الدولة يتطلب مساهمة الجميع، حكومة وشعباً، وكما مرّ أعلاه، فمشكلة بناء الدولة والبلد هي الحوار والتوافق. بينما مشكلة إدارة”.
واكد: “فقد كانت بلاد الرافدين وأرض السواد، مهد الحضارة وموطن الرسالات، وبلد القوانين والتشريعات، ولن تحيد عن إرثها العظيم؛ بهمّة وجهود أبناء هذا الوطن، وإخلاصهم وعشقهم لهذه الأرض الطاهرة التي لا يصح فيها إلّا الحق والعدل والقانون، لنكون خير خلفٍ لخير سلفٍ”