ان ما يتعلق بما يدور حول هزيمة الجيش الروسي في خاركيف، لا تزيد عن كونها هزيمة مدبر لها، سعى إليها الروس قبل غيرهم، بل هم من مكنوا أعدائهم منها، وأوهموهم بها، وذلك لغرض في أنفسهم يريدون قضائه، وأما بواعث هذا يمكن ان يلخص في عدة نقاط :الأولى: الجميع يعلم مدى قوة الاستخبارات الروسية، والطبيعي أن تكون مستنفرة في أيام الحرب، وهذا الاستنفار سيجعلها تعيت في أوكرانيا وتراقب كل ما يجري فيها، فكيف لم تنتبه هذه المخابرات القوية والعريقة إلى أن المعركة ستكون في خاركيف؟؟
النقطة الثانية: ما قدمه الروس من اعتذار عن هذا الخطأ بأنه تم إيهامهم بأن المعركة ستكون في الجنوب، وهنا لا يمكن تغافل ان الامر يتعلق بدولة عريقة في المجال الاستخباراتي ولا يخفى عليها ما يسمى بتسريب المعلومات الخاطئة. وثالثا: أين كانت الأقمار الاصطناعية التي ترصد تحرك الكبير والصغير فاين هي من رصد عن جيش جرار. وهذا يشير الى أن الروس فهموا اللعبة وتعمدوا الانسحاب من خاركيف وإدعاء الهزيمة فيها، وذلك لغاية في أنفسهم يريدون قضائها.وإن أي متتبع فطن للأحداث الروسية الأوكرانية، من قبل أن تبدأ وإلى ما بعد نكسة خاركيف، سيلمح أمرا يكاد يكون مطردا في جميع التحليلات والتصريحات، التي تصدر عن محللين ومسؤولين روس.
فكل الزهو والإعجاب الذي يوجد في تحليلات الروس وتصريحاتهم، وتلك الثقة التي لا يدخلها شك ولا تخالطها شبهة في قوتهم وقوة جيشهم، وهذا الزهو والإعجاب والتباهي والثقة، استمر على مدى المراحل التي مرت بها هذه العملية العسكرية الخاصة، ابتداء من انسحاب الروس من كييف مرورا بالتوغل البطيء الذي رافق القوات الروسية داخل الأراضي الأوكرانية، وصولا إلى ما بعد نكسة خاركيف، ففي كل هذا وغيره، نجد المحللين الروس يتكلمون في زهو وشموخ وثقة، بعيد عن كل ما يحيل على الضعف أو يستدل به على الهوان.
ولكن، وفجأة، ومن غير سابقة ولا ابتداء، فمع اللحظة الأولى التي أعلن فيها عن أمر الاستفتاء، تواطيء الجميع على أن الدافع إلى إجراءه، هو خوف روسيا من تقدم القوات الروسية نحو إقليم دونباس وغيره من الأراضي الجنوبية، وهذا ينافي كل ما كان منهم وما صدر عنهم من زهو وإعجاب وشموخ وثقة، بل إنه يدل على ضعف وهوان وذل وشك وقلة حيلة. وهذا التواطيء ليس بالتواطيء المعتبر، لأنه لا يقوم على مستند قوي يدعمه، وهو مرفوض من كل عقل ومن كل فكر، وما يعزز رفضه هو: أن محاولات استرجاع تلكم الأقاليم لم تتوقف أصلا، وليست وليدة التقدم الحاصل في خاركيف، ومع ذلك لم تستطع القوات الأوكرانية استراجعها.
ثانيا: الجميع يعلم مدى قوة الجيش الروسي، وأنه للآن لم ينزل بثقله، وإلا لقضي الأمر منذ أشهر، ولهذه القوة يرفض الأوكرانيون وقف القتال وإرجائه إلى نهاية المفاوضات، خوفا من أن يرد الجانب الروسي بقوة أكبر في حالة فشل المفاوضات، وقد صرح بذلك أحد مستشاري الرئيس الأكراني، حيث قال في أواخر شهر ماي الماضي: “إن إيقاف المعارك إلى حين انتهاء المفاوضات سيجعل روسيا ترد بشكل أقوى في حال فشلت تلك المفاوضات”. وثالثا: التحول المفاجيء في التحليلات المقدمة. ورابعا: أن الرد القوي من طرف الروس لا يتوقف على قصف الأراضي التابعة لهم، وبما أنهم يملكون القوة لأجل رد قوي فسيحدث ذلك سواء كانت تلك الأراضي تابعة لهم أو غير تابعة لهم.
وإن ما حدثك به من هزيمة للجيش الروسي في خاركيف، إنما كان وهميا، وذلك لأجل إيجاد مبرر للاستفتاء، وذلك أن روسيا، وقبل بداية الحرب كان الهدف الأول لها هو ضم تلكم الأراضي إليها، وكان الجميع ينتظر حدوث هذا الاستفتاء، ولعل الاستفتاء داخل ضمن ما يتردد على ألسنة الروس من أن العملية لن تنتهي حتى تنجز أهدافها، لكن الذي كانت تبحث عنه روسيا هو علة ترجع إليها أمر الاستفتاء، ولم يكن إلا التظاهر بالهزيمة في خاركيف، لأجل إبداء توخفات تخول لها إجراء الاستفتاء .