كشف القاضي المختص بقضايا النشر والإعلام عامر حسن، اليوم الإثنين، عن عدد المحكومين حالياً بقضايا ما يعرف بالمحتوى الهابط، وفيما أكد أن الأحكام قابلة للطعن والتمييز، أشار إلى أن السياسيين والمثيرين للنعرات الطائفية سيحاسبون وفق القانون، مبيناً أن هيئة الإعلام والاتصالات تعمل -بحسب علمنا- على إقرار لائحة لقواعد البث تخص مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال قاضي محكمة تحقيق الكرخ الثالثة والقاضي المختص بقضايا النشر والإعلام عامر حسن، إن “مصطلح تسميته المحتوى الهابط الذي يتداول في وسائل الإعلام، أصله القانوني هو الجرائم المخلة بالأخلاق العامة أو الفعل الفاضح الذي يخل بالحياء العام”، مبيناً أن “الجرائم المخلة بالأخلاق العامة تحولت إلى ظاهرة وبدأت تؤثر على المجتمع والأسرة والأجيال الناشئة وسلوكياتها فكان يجب أن تتحرك الدولة بمختلف مؤسساتها للحد منها”.
وأضاف أن “مجلس القضاء الأعلى بادر إلى تشكيل لجنة في العام 2021 مشتركة من عدة جهات برئاسة مجلس القضاء وعضوية ممثلين عن هيئة الإعلام والاتصالات، ونقابة الصحفيين، ونقابة الفنانين، وجهاز الأمن الوطني، ومجموعة أخرى من أجهزة الدولة تكون معنية برصد حالات التجاوز الذي ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي وملاحقة مرتكبيها وفق أحكام القانون”، مبيناً أن “هذه اللجنة بسبب الظروف التي رافقت تشكيلها في عام 2021 من انتشار جائحة كورونا والظروف العامة التي كان يمر بها البلد توقفت عن المباشرة بالموضوع التي شُكلت من أجله”.
ولفت إلى انه “في عام 2022 ألغى مجلس القضاء الأعلى -بعد تشكيل محاكم للنشر والإعلام- هذه اللجنة، وطلب من وزارة الداخلية أن تشكل لجنة منها حصراً تتولى رصد الحالات المخالفة للقانون وتتضمن نشر محتوى يسيء إلى الأخلاق العامة أو يتضمن فعلاً فاضحاً وعرضها على محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا النشر والإعلام التي أنا أتولى مهامها”.
وأوضح أن “اللجنة عقدت اجتماعاً تم من خلاله وضع آلية عن كيفية رصد هذه الحالات والتعامل معها وعرضها على المحكمة”، مبيناً أن “اللجنة بدأت أعمالها وأنجزت عدداً من الملفات وعدد من المتهمين وصدرت بحقهم أحكام والقسم الآخر لا زالوا قيد التحقيق”.
وتابع أن “قانون العقوبات تطرق إلى الجرائم المضرة بالمصلحة العامة وتناولها بالمواد من 399 إلى المادة 404 باعتبارها من الأفعال الفاضحة والمخلة بالحياء العام”، منوهاً إلى أن “هناك قناعة بأن هذا المحتوى تحول إلى صناعة وخرج عن إطاره العفوي، حيث إن المادة 403 تتكلم عن صناعة الأفلام أو الرسوم أو الكتابات أو الإشارات أو أي شيء آخر يخل بالحياء العام ويخل بالآداب العامة ويهدف إلى إفساد الأخلاق العامة، ولهذا نطبق نص المادة 403 بحق المتهمين التي تعرض قضاياهم على هذه المحكمة”.
ولفت إلى أن “هناك خلطاً وقع بين حرية التعبير المحمية بموجب الدستور وبين مكافحة ظاهرة المحتوى المسيء التي لا تمت لحرية التعبير بأي صلة”، مبيناً أن “الدستور كفل حرية التعبير عن الرأي بشرط عدم مخالفته بالنظام العام والاداب العامة”، موضحاً أن “المحتوى المسيئ بدأ يلقي تأثيراً على الأسرة العراقية ويعكس صورة سيئة عن المجتمع العراقي وأخلاقه وعاداته حيث إن حرية التعبير شيء والتعبير الاجتماعي شيء آخر وهذا خلط ومحاولة لتبرير ما يقع من هؤلاء الأشخاص الذين أساءوا إلى المجتمع العراقي”.
وأضاف: “نحن نشجع على خطوة الاعتذار وحذف المحتوى المسيء وندعو المدونين كافة، وما يصطلح على تسميتهم “المشاهير” بأن يقوموا بحملة مراجعة لمحتواهم، ومحاولة حذف المحتوى المسيء للأخلاق، والمحتوى المخل بالحياء العام”.
وأكد أن “الدعاوي لا تسقط؛ لأن الجريمة وقعت ونحن كمحكمة في حال عرضت علينا دعاوي بحق هؤلاء سواء أكان من قبل مشتكي متضرر من هذا الموضوع أم من قبل مخبر فسنتعامل مع هذه الدعاوي”، مبيناً أنه “في حال وجدت المحكمة خطوة تدل على وجود حسن نية لدى هؤلاء فممكن أن تراعيها المحكمة عند الإجراءات التحقيقة أو عند إصدار الأحكام”.
وأردف أن “المحتوى المسيء الذي يتضمن موضوع الجرائم المخلة بالأخلاق، ويتضمن أفعالاً مخلة بالحياء العام وقد يتضمن أيضاً موضوع الجرائم التي تدعو إلى الكراهية أو تحرض على العنف أو تدعو إلى التمييز العنصري أو الطائفي فهذه كلها مجرّمة بموجب نصوص في قانون العقوبات”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنها “تختلف عن النصوص التي تعالج الأخلاق العامة، والنصوص التي وردت في الباب الخاص بالجرائم الماسة بالأمن الداخلي للدولة على من يبث الإشاعات ومن يعمل على الأمور العنصرية، فكل هذه الأفعال هي أفعال مجرّمة وبمجرد أن تحرك الشكاوي أمام المحكمة فالمحكمة ستمضي باتخاذ الإجراءات”.
وأكد أن “المحكمة تتعامل مع الدعاوي التي تعرض عليها من قبل اللجنة المشكلة في وزارة الداخلية”، مبيناً أن “هذه اللجنة تعتمد في عرض الدعاوي أو الحالات على المحكمة على البلاغات في المنصة التي أطلقتها وزارة الداخلية، وهي منصة (بلغ) وعلى الرصد الذي يتم من خلال مديرية العلاقات والإعلام لوزارة الداخلية وممكن لأي شخص أن يتقدم بإخبار إلى المحكمة أو يقدم بلاغاً على منصة تابعة إلى وزارة الداخلية عن أي حالة من هذه الحالات والمحكمة ستتعامل مع أي دعوة تعرض عليها من هذه الحالات”.
ونوه القاضي إلى “عدم وجود مانع قانوني في اتخاذ الإجراءات بحق أصحاب المحتوى الهابط من الذين هم سيكون في الخارج طالما المحتوى يستهدف الشعب والمجتمع العراقي”، موضحاً أن “المادة 53 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي حددت الاختصاص المكاني في التحديد، والذي تقع فيها الجريمة كلها أو بعضها أو جزء منها أو فعل متمم لها أو نتيجة تترتب عليها، حيث إن الاجراءات ستمضي وفق القانون وستصدر أحكام بحقهم وفي حال لم يقوموا بتسليم أنفسهم ستصدر احكاماً غيابية وتنظيم ملفات استرداد بالتعاون مع الإنتربول”.
وبين القاضي أن “المحكمة اتخذت إجراءات بحق 14 متهماً بالمحتوى الهابط 6 منهم صدرت بحقهم أحكام بالسجن فيما لا تزال 8 دعاوى تحت الإجراءات التحقيقية،” نافياً “وجود قوائم جاهزة بحق أصحاب المحتوى الهابط وإنما هناك حالات يتم اتخاذ إجراءات بحقها بناء على الرصد الذي تقوم به اللجنة المشكلة في وزارة الداخلية وبناءً على البلاغات التي ترد عبر منصة (بلغ)”.
وأوضح أن “الجميع يخضع للقانون ولا يوجد شخص صاحب نفوذ فوق القانون”، منوهاً بأن “اللجنة بدأت بالحالات التي تحظى بإجماع على رفضها”، مشيراً إلى “أي حالة يتم الإبلاغ عنها من قبل المواطنين أو يتم رصدها من قبل وزارة الداخلية فان المحكمة ستتعامل معها من دون أي تمييز وتفرقة”.
أكد “نحن بدأنا بالحالات التي يوجد إجماع على رفضها، إذ توجد حالات نحن كقاضٍ فعمل القاضي هو تفسير النص القانوني وإبداله عن الواقع المعروض أمامه النص إذ توجد به عدة اشتراطات لتطبق”، مشيراً أن “النص حدد لنا أن الفعل الفاضح الذي يرتكب من قبل المتهم هو الذي يؤدي إلى الإخلال بالحياء العام، لكن المشرع توسع كثيراً في موضوع الجرائم الأخلاقية حتى العبارات التي استخدمها المشرع مثلاً، إذ استخدم عبارة خدش الحياء العام، والخدش هو المس البسيط، واستعمل عبارة الحياء العام، ولم يحدد الإخلال هل سيكون جسيماً أو بسيطاً”.
وأضاف أن “أي حالة إخلال ولو كانت بسيطة تتحقق بها الجريمة كل الدعاوي التي عملنا بها والتي تم اتخاذ الإجراءات والعبارات التي ترد فيها هي أصلاً لا تحتاج إلى خبرة يعني فأي شخص ممكن أن يعلم أن هذه العبارات أو هذه الأفعال أو الإشارات هي تخل بالآداب العامة لأن لكل مجتمع توجد قيم، وقيم المجتمع العراقي معروفة وهذه الأفعال والأقوال الذي ارتكبت من قبل هؤلاء المتهمين لا تثير أي لبس في كونها أفعالاً مخلة بالحياء العام لأنها تحتوي على ألفاظ خادشة للحياء وعلى ألفاظ جارحة وعلى ألفاظ تؤذي المجتمع في أخلاقه وتؤذي المجتمع في قيمه التي يؤمن بها”، موضحاً أن “الحالات التي ليست بهذا الوضوح؛ أي التي قد تختلط بين حرية التعبير وبين المحتوى المخالف للآداب فهنا سوف تلجأ المحكمة إلى انتخاب خبراء مختصين يقومون بتحديد ما إذا كان هذا الفعل مخالفاً للآداب العامة أو مخلاً بالأخلاق العامة أو ليس كذلك، وقد تستعين أيضاً بهيئة الإعلام والاتصالات”.
وأشار القاضي إلى أن “الأحكام التي صدرت وفق المادة 403، والمادة 403 الحد الأعلى لهما هو سنتان من الحبس، واذا ارتكبت هذه الجريمة لغرض إفساد الأخلاق العامة؛ لذلك يعد ظرفاً مشدداً؛ أي إن المحكمة تستطيع أن تحكم بأكثر من سنتين باعتبار هناك ظرف مشدد”، مردفاً: “أما موضوع تفاوت الأحكام فهي تصدر بناءً على ظروف كل دعوة، والمحكمة ليس لديها أنموذج أو معيار ثابت تفرضه على كل من يحال إليها وفق أحكام هذه المادة لأن العقوبة حينما تفرضها المحكمة تهدف من خلالها إلى تحقيق غايات، منها تحقيق الردع الخاص بالنسبة للمتهم المحال عليها، وتحقيق الردع العام لغيره من الأشخاص الذين قد يجنحون إلى ارتكاب الفعل نفسه، وتهدف إلى إصلاح المتهم، وتراعي المحكمة عند الحكم ظروف المتهم من ناحية جنسه ومن ناحية سنه ومن ناحية ماضيه إذا كان لديه سوابق أو لم يكن لديه جملة هذه الظروف والاعتبارات تدخل في تقدير العقوبة؛ لذلك تأتي العقوبة متفاوتة، وما ممكن أن تكون العقوبة واحدة بالنسبة لجميع المتهمين لأن ظروف المتهمين مختلفة بعضهم عن البعض الآخر”.
أكد القاضي أن عدد المسجونين بقضايا المحتوى الهابط هم “6 أشخاص صدرت بحقهم أحكام أولية”، مبيناً أن “المحكوم بقانوننا العراقي ليس ممكناً له أن يقدم تعهداً، ومن ثم يخرج، فهؤلاء صدرت بحقهم أحكام وأصبحوا مدانين”.
وأضاف أن “الأحكام بحقهم ليست قطعية وليست نهائية وهي قابلة للطعن، وتميز أمام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية، ومحكمة الاستئناف تقدر هذه العقوبة، بظروف الدعوة والمتهم فإذا رأتها مناسبة تصدقها وإن رأتها غير مناسبة فممكن أن تخفف العقوبة وممكن أن تطلب تجديد العقوبة”.
وقال القاضي إن “المحتوى الذي يقدمه بعض السياسيين في حال كونه يتعلق بموضوع إثارة النعرات الطائفية أو العنصرية فهم يقعون تحد طائلة المساءلة القانونية”، مؤكداً أن “لا أحد فوق القانون، والكل يخضع للقانون”، مبيناً أنه “في حال تحركت الشكاوي بحقهم فالمحكمة ستذهب إلى اتخاذ الإجراءات بحقهم”.
وشدد القاضي على ضرورة وجود قيود على محتوى النشر “وهذا المطلوب بصراحة وتحدثنا به بأكثر من مناسبة ولمسنا طيباً عند الإخوة في هيئة الإعلام والاتصالات”، مشيراً إلى أن “الهيئة ابلغتنا بعملهم على إقرار لائحة لقواعد البث وما يتعلق بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لأن هيئة الإعلام والاتصالات سبق أن أقرت لائحة لقواعد البث الإعلامي فيما يتعلق بالقنوات الفضائية وتعمل حالياً حسب ما علمنا بشكل دؤوب على إقرار لائحة لقواعد البث فيما يتعلق بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إذا صدرت مثل هذه اللائحة فسوف يكون أمراً جيداً حتى ننظم عملية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بالنحو الذي يحفظها عن هذه السلوكيات الخارجة عن أخلاق المجتمع وعاداته والمخلة بالحياء العام”