أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الأربعاء، أن القمة العربية التي ستعقد في مدينة جدة السعودية تعد فرصة ذهبية أمام الجامعة العربية لريادة المشهد، فيما أشار إلى أن بغداد تستعد لاحتضان اجتماع وزراء نقل دول الجوار ومجلس التعاون الخليجي.
وقال رئيس الوزراء في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط، إن “شمل قادةِ العربِ يلتئم في القمةِ العربية تحت مظلةِ الجامعة العربية بدورتها الثانيةِ والثلاثين في جدة بعد غدٍ (الجمعة)، ونحن نجتاز العواصفَ التي مرَّت بها دول المنطقة”، مبيناً، أنه “رغمَ نظرةِ التفاؤل التي نبنِي عليها مشاركتَنا في هذه القمة، فإنَّ أعينَنا على الأحداثِ في السودان الشقيق، فما يجري في هذا البلدِ المهم يضَعُنا أمامَ امتحانٍ مهم وسؤال جوهري: ما هي واجبات الجامعة العربية عند اندلاع الأزمات؟”.
وأضاف، أن “الجامعة العربية تحتاج اليوم إلى ستراتيجيةٍ موحدةٍ تقرّب من الأواصر والأفكار بين العرب وتحتوي الخلافات بين الأشقاء بما يحقق الهدف من ميثاقها، ويعود بالنفع والسلام على الشعوب المنضوية تحت شعارها”، داعيا “الجامعة الى المبادرة بتفكيك الأزمات في بواكر أيامها ولا تدعها تستمرُّ إلى نقطةِ اللاعودة”.
وتابع، أن “العراق مارس دورَه الرياديَّ المعتاد في لمِّ شملِ الدول العربية ومنعِ الخلافاتِ الإقليمية، إذ إنَّ العراقَ عملَ بصبرٍ وتأنٍ على تقريبِ وجهاتِ النظر بين السعودية وإيران، وهذا النهجُ مهَّدَ الطريقَ للوصول إلى توقيع اتفاقية تاريخية بين الدولتين”، لافتاً إلى أن “العراق كان من أبرزِ الداعمين لعودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد سنوات من الغياب، إذ انتهج دبلوماسيّة الحوار والتكامل العربي، والتي كان لها أثرٌ ملموسٌ في قرار اجتماع وزراءِ الخارجية العرب في القاهرة في السابعِ من الشهر الحالي بشأن عودةِ دمشقَ إلى بيتِها العربي”.
وذكر انه “بعودةِ سوريا إلى مقعدِها في الجامعة العربية، تكونُ الصورةُ التي مزَّقتها الفرقة بين الإخوة في الماضي قد التأمت، وهذه العودةُ إيذانٌ بعبورِ المنطقة من عاصفةِ التَّفرقِ التي أثَّرت لسنوات على العلاقاتِ بين الأشقاء”، موضحاً، أن “الاستقرارُ العربي يعتمد على وحدة الرؤى ويتطلَّبُ تنميةَ العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية أكثرَ من أي وقت مضى، ولا مكانَ للفرقة السياسية التي عطَّلت هذا التعاونَ لسنوات، وسمحت بأن تتصرَّفَ الدولُ المعزولةُ خارجَ إطارِ الجمع العربي”.
ولفت إلى، أنه “منذ اليوم الأولِ لتسلّمنا المسؤولية، نعي أهميةَ هذا الطرح وهذا التكامل الاقتصادي، وكنَّا سباقين إلى مدّ يدِ الإخاء لأشقائنا العرب في كل محفل عربي، سياسياً كانَ أم اقتصادياً أم رياضياً، مبيناً، أن “العراقيين فتحوا أذرعَهم ترحيباً بإخوانهم العرب الذين جاءوا من كل حدبٍ وصوب إلى عراقِهم الشقيق لحضور بطولة كأس خليجي 25 وتأكيد أنَّ العراق يحتلُّ مكانتَه التاريخيةَ والريادية في رفعة واستقرار العالم العربي والشرق الأوسط، فضلا عن عقد قمةَ بغدادَ الثانيةَ في الأردن، واجتمعنا فيها مع الأصدقاءِ والأشقاء من العرب، وأعلنَّاها صراحةً بأنَّنا لن نقبلَ أن يكون العراقُ منطلقاً لتهديد جوارِه العربي والإقليمي، بل نجعلُه مرتكَزاً للتلاقي والشراكةِ المبنية على التكامل الاقتصادي لخدمة بلداننا”.
وأكد “ها نحن نعودُ إلى المملكة بعد أكثرَ من خمسة أشهر على زيارتِها آنذاك للمشاركة في القمة العربية – الصينية التي أكَّدنا فيها أنَّنا نريد بناءَ اقتصادٍ عراقي قوي قادر على تحقيق التغيير النوعي المنشود، وأن يكونَ العراقُ مِنطقةَ تلاقٍ وتكاملٍ بين الشرق والغرب، استناداً إلى موقعِه الستراتيجي وعمقِه وإرثه التاريخيين وثقلِه الإقليمي ووفرةِ موارده وتأثيرِه في اقتصاد العالم”، مشيراً إلى، أنه “بناءً على هذا المبدأ، بدأنا العمل على مشروع طريق التنمية الستراتيجي لربط ميناء الفاو مع الحدود التركية، ومنها إلى أوروبا، وتستعد بغدادُ لاحتضان اجتماع يضمُّ وزراءَ نقلِ دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا وسوريا والأردن أواخر هذا الشهر، لبحث هذا المشروع الستراتيجي وتنفيذه لما فيه من ترسيخ لآفاق التعاونِ الاقتصادي الإقليمي، وخدمةٍ لمصالحِ هذه البلدان وشعوبها”.
وبيّن، أن “الصفقة مع شركة الطاقة «توتال إنرجيز»، تمت بشراكةٍ قطرية، ومن شأنِها أن تنهي عقوداً من حرق الغاز وتوقف استيرادِنا له وخسارتنا مليارات الدولارات سنوياً، فضلاً عن وقفِ تلويثِ بيئة العراق”، منوها بأن “تلك الصفقة عزَّزت بصفقات أخرى مثل توقيع عقود الجولة الخامسة من حقول النفط والغاز التي شاركت فيها «شركة الهلال» الإماراتية، من أجل الارتقاءِ بحقول النفط والغاز، ونحن نستعد للإعلان عن جولات جديدة لطرح حقولٍ ورقعٍ استكشافية للاستثمار في قطاع الغاز”.
وأوضح السوداني، أن “هناك مشاريع للربط الكهربائي مع السعودية والأردن، وأيضاً تم توقيعُ بروتوكولٍ أمني لمراقبة الحدود وتبادل المعلومات الأمنية بيننا وبين المملكة، هو الأول منذ ثمانينيات القرن الماضي. وقد حرصنا على زيارةِ الإمارات العربية الشقيقة لتأكيد أهمية تعزيز الروابط بيننا وبين الإماراتيين وزيادة التعاون التجاري معهم، وقد قطعنا شوطاً كبيراً في إزالة وتصفية الملفات العالقة مع أشقائِنا الكويتيين، ونتطلَّع إلى مزيدٍ من الشراكة معهم في ملفات الأمن والطاقة”.
وتابع، “لا يفوتنا هنا التعاونُ مع مصر في مجالات عدة، ونحن نستعد لعقد اجتماع اللجنة المشتركة بعد زيارتِنا للقاهرة التي تدلُّ على عمق العلاقات بين بلدينا، وهي الزيارة التي جرى خلالَها بحثُ العديدِ من الملفات الاقتصاديةِ والقضايا العربية والإقليمية”، لافتا إلى، أن “العلاقات الدبلوماسية مع المغرب عادت الى سابقِ عهدها، بعد إعادة الرباطِ فتحَ سفارتِها في بغداد بعد سنوات من الإغلاق، ونتطلَّع إلى تبادل الخبرات في ملفِ مكافحة التطرف والإرهاب ومجالات التعاون الاقتصادي والزراعي والمصرفي”.
وأكد رئيس الوزراء أن “فلسطين العروبة ستظل في قلب سياستِنا الخارجية، إذ نؤكد دوماً على دعمِ العراق الثابتِ والمبدئي للقضية العادلة للشعب الفلسطيني، ونقفُ إلى جوار إخواننا الفلسطينيين في مسعاهم لإعلانِ دولتهم، وعاصمتها القدس”.
واختتم رئيس الوزراء المقال بالقول “كل هذا التعاون الاقتصادي والسياسي والرياضي مع محيطنا العربي يدلُّ على رغبةِ العراق الصادقة في الالتحام مع أشقائه العرب، بما يضمن السلامَ والرخاء لنا جميعاً، ولشعوبنا التواقة للاستظلالِ بمظلة واحدة تجمعها من جديد، ومن الممكن أن تقومَ الجامعةُ العربية بدورٍ ريادي في خدمة شعوبِ هذه الدول، وهو الهدفُ الأساسيُّ من تأسيسِها”.