رسمت عملية أبطال القسام “طوفان الأقصى”، حدوداً مهمة ومتعددة منها ما يتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ومنها ما يتعلق بالاختلاف الجذري بين الموقف الشعبي والموقف الرسمي العربي من هذه الحرب والمعايير الأخلاقية المتبعة لكلا الفريقين. لقد كسرّت طوفان الأقصى جميع أساطير إسرائيل التي عملت هي وحلفائها على تصويرها لنا على مدار حوالي 75 عاماً. وانهارت أسطورة الجيش الذي لا يقهر مع إنهيار الجيش الإسرائيلي أمام أبطال المقاومة في السابع من أكتوبر وما تبعها من هجمات متلاحقة في مستوطنات الغلاف أو حتى عند تكبيد العدو خسائر مهمة عند بدئه بالعملية البرية في القطاع. وانهارت كذلك كل أكاذيبه حول التفوق اللوجستي والاستخباراتي عندما خططت المقاومة الفلسطينية وبنجاح لهذه العملية الكبرى على مدار سنوات متتالية دون أن يتم كشفها أو يتم الحيلولة دونها.
وبالإضافة إلى هذه الهزائم المدويّة بحق العدو الصهيوني، يبدو بأن طوفان الأقصى أظهرت وبشكل جلي ولا لبس فيه الاختلاف العميق بين المواقف الشعبية العربية المشرفة وبين الموقف الرسمي المتخاذل. لقد وقفت الشعوب العربية كعادتها إلى جانب الشعب الفلسطيني كون هذه القضية هي قضية التحرر الأخيرة على مستوى العالم. لقد كسب شعب غزة ومقاومتها قلوب الشعوب العربية والمسلمة وذلك لإنهم يفهمون جيدأ وبدراية كاملة كيف يجذبون الرأي العام العربي والعالمي. إن الشعوب لا تتعاطف مع الضعفاء بل هي تتعاطف مع كل من يطالب بحقوقه المشروعة.
وقد ظهرت بطولة هذا الشعب من خلال مواجهته للحصار المفروض عليها منذ سنوات دون أن تكسر عزيمتهم على التحرر أو يتقاعسون عن أداء واجبهم تجاه المسجد الأقصى أو دعم أخوتهم في الضفة الغربية والقدس.لقد رفضت غزة جميع المغريات الاقتصادية ورفضت أن تبيع قضيتها العادلة مقابل حفنة من الدولارات، وعليه فإن ما يقوم به العدو الصهيوني اليوم هو معاقبة هذا الشعب الحر على اختياره للعيش بحرية وكرامة. وهنا يظهر بشكل واضح الاختلاف بين الموقف الشعبي والرسمي العربي.
لقد تجنّب أغلب الحكام العرب وصف ما تقوم به إسرائيل بالإبادة الجماعية بل على العكس ذهب بعضهم إلى حد إطلاق وصف “الإرهاب” على فصائل المقاومة العاملة في قطاع غزة، حتى أننا افتقدنا إلى الخطابات الرسمية الرنانة التي طالما اكتفت بالشجب والتنديد.وإذا ما نظرنا إلى الغرب على مختلف مكوناته وأحزابه وخلافته السياسية فسنلاحظ التوافق التام على الدعم غير المشروط لإسرائيل في مواجهة الشعب الفلسطيني. فالولايات المتحدة فتحت جسر جوي لإيصال المساعدات العسكرية والذخائر إلى إسرائيل. وكذلك إرسال حاملات الطائرات الأمريكية إلى الخليج والبحر المتوسط لردع أي أطراف إقليمية أخرى من التدخل في الحرب إلى جانب فصائل المقاومة في غزة. وأما فرنسا فدعا رئيسها ماكرون إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة حماس.
ومخطئ من يظن بأن العرب لا يملكون وسائل للضغط على إسرائيل. فهم وعلى الرغم من تبعيتهم لهذه القوى الإمبرالية إلا أن لديهم أوراق ضغط مهمة يمكن أن يشهروها في وجه العدو الصهيوني وحليفته الولايات المتحدة ولعل أضعف الإيمان هو طرد السفراء الإسرائيليين من الدول العربية المطبعة وممارسة ضغوط دبلوماسية ضد إسرائيل في المحافل الدولية.كما تستطيع الدول العربية النفطية تقليص صادرات النفط إلى العدو أو تخفيض المعروض من النفط في الأسواق العالمية .
وان اللجوء الى هذا الخيار يمكن أن يتسبب بأزمة حقيقية من الممكن أن تدفع إلى إقرار هدنة مؤقتة لأنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح في غزة.لإن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هو وصمة عار على جبين الحكام العرب قبل حكام الغرب فهم من تاجروا بالقضية الفلسطينية ومن ثم قاموا بالتطبيع مع العدو الصهيوني وها هم اليوم يساندونه في عمليات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعب غزة سواء بصمتهم المتخاذل أو بتأييدهم غير العلني لتصفية حركات المقاومة الفلسطينية لتحقيق أهدافهم ورغباتهم السياسية الشاذة.