في ظل تزاحم وكثافة تفاعلات العدوان الإرهابي على غزة يحتار المرء من أين يبدأ الحديث حيث كل التفاصيل مهمة ومتشابكة وذات أبعاد متشعبة ويتمنى لو يضعها كلها مرة واحدة في وعي القارىء العربي ، في تفاعلات الأيام العصيبة من هذا العدوان لا تزال كاميرا الحقيقة تلتقط صورا سريعة وكثيرة لايمكن المرور عنها مرور الكرام ، واحدة من تلك الصور وهي تظهر وزير خارجية الكيان وهو يحقر ويهاجم (غوتيرتيش) أمين عام الأمم المتحدة ويتصرف وكأن العالم مُلكٌ له في عدة مناسبات ، لقطة أخرى تكشف نبرة متعالية لنتانياهو وهو يخاطب القمة العربية على الرغم من ضآلة مخرجاتها : عليكم أن تصمتوا وتدينوا حماس ! .
فهنالك مصطلح خاص ودقيق في اللغة العربية يمكنه أن يعالج ويمنح هذه اللقطات معناها الحقيقي وهو مصطلح العربدة ، والعربدة في اللغة العربية تعني بالنقل الحرفي : ( سيِّئ الخُلُق، يتشاجر مع النَّاس بغير سبب، أو يُكثر من الضَّجيج بسبب السُّكر ) ، العربدة السياسية والعسكرية التي نتكلم عنها لا تختلف كثيرا عن روح المعنى السابق فهي تضم في تركيبها الكيميائي بضع مكونات أساسية تسمح بحدوثها وهي : الاستقواء وسط الضعف – وجود داعم أو راعي كبير لهذه الظاهرة – غياب القوة الرادعة أو تواضعها حيال المعربد – الثمالة والسٌكْر بسبب وجود فشل كبير في تحقيق الغايات الكبرى أو تلقي صفعات قوية ، آخر مظاهر العربدة الصهيونية نشاهدها كلنا معا ضمن مسلسل العدوان على المشافي الفلسطينية داخل غزة .
فالهجمات والاعتداءات ومنع للدواء والوقود وحتى حليب الأطفال الذي يسمح بحياة الأطفال حديثي الولادة ، كل ذلك يقع ضمن فئة العربدة والزعرنة الانحطاطية التي تقيم فوق جبل من أكوام الفشل والخيبات والتي كان آخرها فضيحة وخذلان الاكتشاف الاستخباري داخل مشفى الشفاء البطولي وتسجيل هدف جديد للمقاومة في المرمى الصهيوني .وان العرب العجزة والعالم بأكمله شاهدون وشهود على أكبر حالة عربدة صهيونية تفوقت على عربدة الولايات المتحدة عقب ادعاءات أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، أداء تكبري وتجبري انفجر بوجه العالم كله ويحظى بتغطية وغَضِّ بصر من عصابة غربية عالمية .
وفي ظل هذا الفجور الاسرائيلي ومحاولة الدفع بالعالم لحالة عقابية جماعية تطل فكرة (شعب الله المختار ) وكأنها ستُفرَض على العالم عنوة وقسرا ، وفي ظل هذه الفكرة يحق للعالم كله أن يسأل أسئلة كثيرة حرجة : ما هو مصيرما يعرف بالشرعيات و القوانين العالمية والدولية في ظل هده العربدة ؟ هل بقي من معنى للمؤسسات الأممية والمنظمات الإنسانية وحقوق الإنسان ؟ هل تَكَسَّر كل ذلك وتغولت دويلة الكيان بإيعاز من الولايات المتحدة لتكون حربتها الضاربة في الخطة القادمة ؟ نعم يبدو أن ذلك صحيح وماض في الطالع المشؤوم لهذا العالم الذي يرفض الصحو من غفلته والاستنفار لوضع حد لسياسات وإجرام اميركا الإرهابية .
إن رسالة الزعرنة المفتوحة التي يطلع بها الكيان الصهيوني تحمل في طياتها رسائل متعدة الاتجاهات بعضها يذهب أولا إلى ايران وكذلك روسيا بأن شيئا لن يحميك ولن يقف في وجهنا حيال هزيمتك و ثانيا إلى الصين بأن كل الاتفاقيات الدولية والقوانين والأعراف انقعوها واشربوا ماءها ، وثالثا إلى ملوك الطوائف الغرب والعرب حتى يفهموا أن سيدهم بخير وعافية بعيد ضربة 7 أكتوبر وسيفعل ما يشاء دون قيد أو شرط او مانع ! فلفترة طويلة بقي البحث عن معنى الإرهاب والإجرام والانحطاط وفقا لكتيب الكذب الأمريكي العالمي الذي تم فرضه علينا جميعا في كل مسامات حياتنا ، فابتكروا القاعدة في البداية ومن ثم جاؤوا بـ (داعش ) وعقب ذلك شاهدنا ما فعله الأمريكان في شعب اليمن وسوريا وليبيا والسودان وحتى في أوكرانيا فقلنا هذا إرهاب أكبر!
فعلى الرغم من مأساوية المشهد وفداحة الألم إلا أن الفجر يلوح باقترانه مع اشتداد العتمة ، وأن مع العسر يسرا حتى مع الأكاذيب بحجم الجبال ، وأن هنالك اقتران عضوي تاريخي بين عظم التضحيات ولذة النصر ولحظات الفرج ، وبأن هؤلاء الأبطال حققوا النصر مهما كانت نتيجة هذا العدوان الإرهابي العربدي على غزة فلسطين ، وأن حجم المكتسبات يفوق بكثير تضحيات عشرين ألف شهيد ، وأن هذا المقاوم الذي داس على رأس العربدة الأمريكية – الصهيونية عندما سحب الجندي الاسرائيلي ذليلا من دبابته سيدوس مرة أخرى على وجه هذه العربدة والاستعلاء الأمريكي الذي طال عليه الأمد ويعيد لنا البصر الذي فقدناه من شدة الألم.