كشف مسؤولون امريكيون، يوم الإثنين، عن تقسيم السلطات الروسية الآلاف من عناصر فاغنر إلى أربع مجموعات على الأقل، بهدف منع اي تمرد مستقبلي مثلما حصل قبل عام.
ويأتي هذا الإجراء بعد سبعة أشهر على وفاة يفغيني بريغوجين، مؤسس مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية التي تمردت ضد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وقسّمت السلطات الروسية الآلاف من عناصر فاغنر إلى أربع مجموعات على الأقل، بهدف منع تكرار أحداث العام الماضي عندما تمرّدت المجموعة على موسكو، بحسب ما نقلته صحيفة “بوليتيكو” عن مسؤولين أميركيين رفضوا الكشف عن هوياتهم لمناقشة مسائل استخباراتية حساسة.
وأكد أحد المسؤولين الأميركيين، أن “جزءا من هدف إعادة الهيكلة هو التأكد من وجود المزيد من السيطرة على العمليات بشكل عام”.
على أنقاض فاغنر
وقال مسؤولون آخرون، إن القوات الخاصة الجديدة منتشرة بالفعل في جميع أنحاء العالم في مهام خاصة، بما في ذلك في أوكرانيا وأفريقيا حيث من المتوقع أن تلعب دورا مزعزعا للاستقرار على المسرح العالمي بشكل مماثل لما كان في عهد بريغوجين.
وبحسب بوليتيكو، فقد أجبرت المجموعات شبه العسكرية المعاد تشكيلها بالفعل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على سحب القوات الأميركية، من النيجر وتشاد في انتكاسة كبيرة لجهود مكافحة الإرهاب، بينما تواصل (المجموعات) تحدي سياسات واشنطن في دول أفريقية أخرى.
ومن بين المجموعات الجديدة التي تشكلت على أنقاض فاغنر، قوات متحالفة مع الحرس الوطني الروسي، وجرى نقلها بالفعل إلى أوكرانيا وفقدت عددا كبيرا من مقاتليها، وفقا للمصدر ذاته.
وتضاف تلك إلى مجموعتين أخريين تعملان تحت سيطرة وزارة الدفاع وأجهزة المخابرات في موسكو، ومجموعة رابعة – معروفة باسم “فيلق أفريقيا” وتتحالف مع مجموعة أخرى قائمة، تُعرف باسم “ريدوت”، وتسعى إلى تولي السيطرة على قوات فاغنر السابقة في بعض العواصم الأفريقية، حسبما ذكره المسؤولون.
ولا يُعرف الكثير عن تركيبة هذه الفصائل الجديدة وعدد أعضائها القادمين من فاغنر مقابل منظمات أخرى، أو دور نجل بريغوجين في قيادة مجموعة العناصر الموالية لوالده.
ورجح مسؤولون أن يكون بريغوجين الابن مسؤولا عن بعض القوات في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي.
وتوفي بريغوجين، في أغسطس الماضي، إثر تحطم طائرته في ظروف غامضة. في حادث اعتبر على على نطاق واسع بمثابة اغتيال برعاية الدولة، وبأمر من بوتين، وذلك بعد أن قاد تمردا فاشلا على القيادة العسكرية في موسكو، بعدما اتهم قادة الجيش بعدم الكفاءة في حرب أوكرانيا.
وتركت وفاة بريغوجين مصير “إمبراطوريته” في حالة من عدم اليقين، حيث كانت فاغنر تقيم علاقات مع زعماء دول أفريقية مارقة وتوفر الأمن لهم مقابل مكاسب اقتصادية مربحة. كما أدارت حملات تضليل واسعة شملت تنظيم احتجاجات ونشر أخبار مزيفة لزعزعة الاستقرار في دول أفريقية وغربية.
وقال المسؤولون الأميركيون الذين تحدثوا للصحيفة، إن أذرع التضليل الإعلامي التي كانت تنشط هذه الحملات، باتت الآن على الأرجح تحت سيطرة جهاز المخابرات الخارجية الروسي. وربما تم وضع موظفي بريغوجين الاقتصاديين تحت مكاتب استخبارات أخرى، بما في ذلك إدارة الاستخبارات العسكرية.
تداعيات الترتيبات الجديدة
وتبقى لسيطرة موسكو المعلنة حديثا على هؤلاء المرتزقة الخاصة آثار واسعة النطاق على الجغرافيا السياسية، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى أنه في أفريقيا على وجه الخصوص، يمكن أن تقوض جهود إدارة بايدن لمكافحة الإرهاب وتعزيز الديمقراطية وإقامة علاقات دبلوماسية مع الأنظمة المشكلة حديثا.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين، إن “عنصر التوقيت هنا أمر أساسي. يمكن لروسيا أن تقدم لهذه الدول ما لا تستطيع الولايات المتحدة تقديمه وعلى الفور”، في إشارة إلى قدرة موسكو على استخدام مقاتلين خاصين لتوفير أسلحة وذخائر سرية للحكومات العسكرية المشكَّلة حديثا في أفريقيا.
وأضاف: “الكثير من قادة تلك الدول سئموا من محاضرات الولايات المتحدة لهم بشأن الديمقراطية”. وبموجب القانون، لا يمكن للولايات المتحدة تقديم مساعدة للحكومات التي تستولي على السلطة بعد انقلابات عسكرية، مما يضعها في خطوة واحدة خلف روسيا، في مثل الحالات التي تكررت بالبلدان الأفريقية.
وقال المسؤولون، إن السيطرة المباشرة لموسكو على المجموعات شبه العسكرية يمكن أيضا أن تدفع بعض الدول الأفريقية التي كانت قد ابتعدت سابقا عن فاغنر، التي كانت تخضع لعقوبات عالمية كمنظمة إجرامية، نحو إعادة النظر في موقفها السابق.
ويظهر استخدام موسكو للمقاتلين شبه العسكريين لنشر نفوذها في أفريقيا بشكل واضح بالفعل في النيجر، أحد أهم بؤر الحرب ضد الإرهاب، والتي استولى فيها قادة عسكريون على السلطة بعد انقلابهم على الرئيس المنتخب، محمد بازوم، في يوليو الماضي.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وصل مئات المرتزقة الروس إلى العاصمة نيامي، زاعمين أنهم هناك للمساعدة في تدريب الجيش النيجري والدخول في شراكة رسمية مع المجلس العسكري الحاكم. وجاء وصولهم قبل أيام فقط من إعلان إدارة بايدن أن الولايات المتحدة ستسحب ألف جندي من البلاد بعد نحو 10 سنوات، وظهر هذا وكأن القوات الروسية تحل محل الأميركية. وفي بوركينا فاسو، أصبحت قوات فاغنر السابقة الآن تحت سيطرة “فيلق أفريقيا”.
كما يظل مقاتلو فاغنر السابقون نشطين في مالي وليبيا والسودان، حيث لديهم عقود لتوفير الأمن للأنظمة غير المستقرة هناك.
ويحذر مسؤولان أميركيان في حديثهم لبوليتيكو، من المخاطر المحدقة باستراتيجية روسيا، خاصة فيما يتعلق بالتساؤلات المستمرة بشأن ولاء مقاتلي فاغنر السابقين واستعدادهم لتلقي الأوامر من وزارة الدفاع التي غالبا ما تتعرض للانتقاد في البلاد.
وبحسب المصدر ذاته، فلا يزال الكثير من مقاتلي فاغنر مخلصين لذكرى بريغوجين وهم يواصلون كراهية وزير الدفاع الذي يقود بعضهم الآن في مجموعة انتقائية للغاية تُعرف باسم “وطني”، تشرف عليها وزارة الدفاع وتموله.
وقال مسؤول أميركي ثالث، إنه “من غير الواضح ما إذا كانت موسكو ستتمكن من تحقيق ما فعلته فاغنر لسنوات”، موضحا أن “وضع هؤلاء المقاتلين في نظام بيروقراطي قائم قد يبطئ الأمور ويجعلهم أقل خطورة”.