خلال حرب تموز 2006 وقبل نفاذ وقف إطلاق النار بثلاثة أيام أي يوم 11 أغسطس، أقدم جيش الاحتلال على تطوير هجومه الذي شنه منذ بداية الحرب مطلقاً على العملية تسمية “تغيير الاتجاه 11”. والتي كانت تهدف إلى تطويق “حزب الله” جنوب الليطاني، حيث عزّز قواته المهاجمة بثلاثة أضعاف ما كانت عليه، على أن تتقدم على محورين، غرباً على طول نهر الليطاني من إصبع الجليل تواكبها عمليات “مجوقلة” خلف الخطوط، وشمالاً في القطاع الأوسط على طول ساحل البحر المتوسط. كانت توقعات العدو أن تكون خطته ناجحة والأكبر في تاريخ جيشه …
وان ما حصل كان صدمة كارثية بالنسبة له، إذ تم إيقاف الهجوم في منتصفه، بسبب الإصابات الجسيمة في الأرواح والآليات، بعد أن قُتل بحسب اعترافاته ما لا يقل عن 33 صهيونياً، وأصيب أكثر من 400 آخرين بجراح مختلفة، وأُسقطت له إحدى المروحيات، والأهم أن المقاومة دمرت له عشرات دبابات “الميركافا” فيما بات يُعرف ب”مجزرة الميركافا”، بعد أن تعرضت أرتاله لهجوم بالصواريخ الروسية من نوع “كورنيت إم”، التي كانت مفاجأة “حزب الله”في معركته البرية.
فقد كان هذا هو الظهور الأول لصاروخ “كورنيت” على الساحة اللبنانية الجنوبية في الصراع ضد الاحتلال، وبعدها بعدة أشهر، زعم الكيان المحتل أن الأسلحة الروسية هُرِّبت إلى “حزب الله” من قبل الجمهورية العربية السورية، فأرسلت حكومة الاحتلال فريقًا لها إلى “موسكو” ليقدموا دليلهم في ما يزعمون حول نقل أسلحة روسية الصنع من سورية إلى لبنان لا سيما صواريخ “الكورنيت”. فقد شكك المسؤولون الروس آنذاك بالأدلة الصهيونية، ففشل الوفد في تحقيق هدفه من الزيارة. وبين تاريخيّ سريان وقف إطلاق النار في 14 اغسطس 2006 و7 اكتوبر 2023 كان لصاروخ “كورنيت” أو لمثيله عدة جولات في محطات متفرقة، دُمرت خلالها آليات للعدو إن على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، أو في غلاف غزة، حتى بدأت عملية “طوفان الأقصى.
وعلى الرغم من عدم اعلان العدو عن خسائره على الجبهة الشمالية بدءاً من تاريخ اندلاع المواجهات الحدودية مع لبنان في 8 اكتوبر 2023، كان لدباباته ومركباته القتاليّة ومنشآته العسكرية نصيبهم المباشر من التدمير بواسطة سلاح المقاومة المضاد للدروع، والذي أطلقته وتُطلقه باستمرار دعماً وإسناداً للمقاومة الفلسطينية في غزة، هذا السلاح الذي أصبح يضم في صفوفه تشكيلات متنوعة من حيث المصدر والخصائص والمميزات، بات معروفاً بشكل عام من خلال الميدان .ومن هنا فإنّ هذه المنظومة التي يمتلكها “حزب الله” ، هي ليست كل شيء، وشيء المؤكد هو العنوان الترويجي للشريط المصور: “لن تبقى لكم دبابات”، هذا العنوان الذي أطلقه سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله، وإن كان يحمل، في ظاهره ثلاث رسائل: الردع التحذيري وإظهار القوة والتحدي المباشر.
وهذه الرسائل تحمل في طياتها ما هو أدق وأعمق، من خلال السؤال الأهم، ” لماذا لن تبقى لهم دبابات”؟ فقد تبدو الإجابة للوهلة الأولى واضحة، لكن الإضاءة على أسبابها له بعده الاستراتيجي: وهو نمط عمل المقاومة القائم على عنصريّ المفاجأة والسرية، والتقيد بمبدأ “الاعلان خلاف المستور” يُحتمان عدم الإفصاح عما لديها إلا ما تظهره للعلن، وبالتالي فإن الحفاظ على هذين العنصرين، هما من الثوابت الاستراتيجية لدى المقاومة، وقد يكونان إما سلاحاً جديداً أو تكتيكاً تعتمده في الميدان أو كلاهما معاً، لهذا أن تكون هناك مفاجآت بانتظار دبابات العدو هو أمر بديهي لا بل حتمي، وإلاّ تكون المقاومة قد خالفت إحدى أهم استراتجيتها.
فلن تُفصح المقاومة عمّا تمتلكه من وسائل قتالية إلاّ ما تظهره على محطاتها الإعلامية أو من خلال تقارير إعلامية عربية ودولية، بناءً لتقارير استخباراتية صهيونية أو أجنبية مبنية في أغلبها على بعض المعلومات والتحليلات العسكرية والاستراتيجية، وصور تُلتقط من الميدان إذا ما قُدر لهم ذلك. وكلما تنوعت مصادر الصواريخ المضادة للدبابات ازداد العدو قلقاً، لما يمنح المقاومة من قدرة كبيرة ومساحة واسعة للمضي قدماً في دراسة الخصائص العامة لكل صاروخ، وبالتالي العمل على الدمج والتطوير للوصول إلى نتائج اكثر فعالية، ليصار إلى تجربة ما تبتكره أدمغة المقاومين من مهندسين وفنيين، من خلال الفرصة التي تمنحها هذه الحرب لهم كحقل تجارب، والعمل الدؤوب بغية تصحيح الأخطاء للحصول على فعالية أكبر وتصميم أفضل.