ديوكوفيتش يكتب التاريخ بسيناريو ميسي

كي تكون الأفضل في التاريخ، فالأمر غاية في الصعوبة، فهناك جانب رياضي عليك التفوق فيه بقهر جميع المنافسين، وهناك جبل آخر عليك تسلقه هو رأي الجماهير.
ويكفي النظر إلى السحر الذي نثره ليونيل ميسي في ملاعب كرة القدم منذ ظهوره الأول، حيث هيمن على كافة الألقاب الممكنة رفقة برشلونة من جوائز جماعية وفردية، وحطم العديد من الأرقام القياسية وقدم مستويات ثابتة ومبهرة لسنوات طويلة.

ومع ذلك، رفض البعض اعتباره الأفضل في التاريخ، فكيف للأفضل في التاريخ ألا يقود بلاده للتتويج بالألقاب، في الوقت الذي قاد فيه الأسطورة مارادونا منتخب بلاده وحده نحو لقب مونديال 1986، وبالتالي لا يمكن المقارنة بينهما.وجاء التاريخ لينصف ميسي ويجعله “ينهي اللعبة” بحصد لقب مونديال قطر 2022، إضافة إلى لقبين في كوبا أمريكا ليتوج بكل شيء ممكن.


وأهدى ميسي، منتخب بلاده 3 ألقاب دفعة واحدة، ليأتي من كان يشكك في قدرات البرغوث، ليبصم الآن بأنه الأفضل في التاريخ.

وهكذا كان حال الصربي نوفاك ديوكوفيتش، الذي برزت موهبته منذ الصغر، ولكنه جاء في عصر يمكن وصفه بـ “عصر الديناصورات” بقيادة أحد أساطير اللعبة روجر فيدرر وغريمه التقليدي نادال.

وهيمن فيدرر ونادال على اللعبة بين 2004 و2010، وتناوبا على الفوز بالألقاب الكبرى وسط محاولة من الصربي للتأكيد على قدرته بشأن مقارعتهم بل والتفوق عليهما، خاصة أنه في ذلك الوقت كان ينظر إلى فيدرر كونه الأفضل في التاريخ نظرًا لامتلاكه الرقم القياسي كأكثر من توج ببطولات الجراند سلام، بينما كان ينظر إلى نادال باعتباره القادر على هز عرش السويسري مستقبلًا.


بداية الهيمنة 

لم يكن ديوكوفيتش، غائبًا عن الجولة بين 2005 و2010، بل توج بأستراليا المفتوحة عام 2008 وبعض ألقاب الأساتذة.

ولكن جاءت الانطلاقة الحقيقية في 2011 عندما هيمن على ملاعب الكرة الصفراء، بالفوز في أول 41 مباراة على التوالي خلال الموسم دون هزيمة، والتتويج بثلاثة ألقاب في الجراند سلام، والارتقاء نحو صدارة التصنيف العالمي، ولم يتوقف ديوكوفيتش من بعدها.

تحطيم كل شيء 

في الوقت الذي كان يتحدث فيه فيدرر ونادال بدبلوماسية بعض الشيء عن الإنجازات، لم يخف ديوكوفيتش رغبته الجامحة في الانفراد بكل رقم قياسي ممكن.

وبالفعل لم يترك نوفاك شيئا، فهو الآن أكثر من توج ببطولات الجراند سلام بواقع 24 لقبًا مقابل 22 لقبًا لنادال و20 لقبًا لفيدرر، كما يعدر أكثر من توج ببطولات الأساتذة (1000 نقطة) بواقع 40 لقبًا مقابل 36 لقبًا للإسباني و28 للسويسري.

وحصد 7 ألقاب في البطولة الختامية كرقم قياسي مقابل 6 ألقاب لفيدرر، في الوقت الذي عجز فيه نادال عن الظفر بلقب البطولة، ليفرض هيمنة تامة على الألقاب الكبرى برصيد 71 لقبًا، بفارق كبير عن أقرب منافسيه نادال (56) وفيدرر الثالث في القائمة (54).

كما هيمن على صدارة التصنيف العالمي لمدة 428 أسبوعًا، بفارق كبير عن صاحب المركز الثاني فيدرر (310 أسابيع)، وذلك بين العديد من الأرقام القياسية الأخرى، ولكن دائمًا ما نظر إلى البطولات الكبرى وصدارة التصنيف العالمي باعتبارهما المقياس الحقيقي الذي يحدد من الأفضل في التاريخ.

المواجهات المباشرة 

عندما كان ينظر إلى فيدرر باعتباره الأفضل في التاريخ، كانت هناك بعض الأمور التي تشكك في ذلك، من بينها تفوق نادال الكاسح عليه في المواجهات المباشرة.

ورفض ديوكوفيتش أن يترك أي شيء للشك، حيث يتفوق على نادال حاليًا (32-29)، كما يتفوق على فيدرر المعتزل (27-23).

كما ترك ديوكوفيتش، بصمة خاصة في مواجهة الثنائي لم يصل إليها أحد، حيث تفوق عليهما في البطولات المفضلة لديهما أكثر من مرة، بالتغلب على نادال مرتين في رولان جاروس، تلك البطولة التي توج بها الإسباني 14 مرة.

كما تفوق نوفاك على فيدرر 3 مرات في نهائي بطولة ويملدون، التي توج بها النجم السويسري 8 مرات.

الارتقاء للأفضل 

عندما حطم ديوكوفيتش، الرقم القياسي كأكثر من توج بألقاب الجراند سلام بحصده رولان جاروس عام 2023 ورفع رصيد ألقابه إلى 23 لقبًا، انتظر أن يثني عليه باعتباره الأفضل.

واكتفى نوفاك بتلك الكلمات “لا أريد القول بأنني الأعظم كي لا أقلل من الاحترام تجاه كل الأبطال في الحقبات المختلفة في رياضتنا، والتي كانت تلعب بصورة مختلفة تمامًا عن اليوم”.

وأضاف “سأترك تلك المناقشات إلى شخص آخر، فأنا أشعر بالفخر لما أنجزته، ولكن الرحلة لم تنته بعد”.

ومع ذلك لم يحظ ديوكوفيتش بالثناء الذي يستحقه أو بالتقدير الذي يليق بإنجازاته، خاصة بدعم الجماهير لخصومه في معظم البطولات التي يشارك بها.

إغلاق اللعبة 

دائمًا ما كانت الأجواء العدائية تمثل وقودًا خاصًا يدفع ديوكوفيتش نحو المزيد، لذا لم يتوقف الصربي عن محاولة إغلاق كل المنافذ الممكنة التي قد يستخدمها البعض للتشكيك في كونه الأفضل في التاريخ.

وكان اللقب الوحيد الذي ينقص خزائنه التي تعج بالألقاب، هو حصد الذهب الأولمبي في منافسات الفردي.

وهناك نادال وأندريه أجاسي اللذان سبقاه في الفوز بكل ألقاب الجراند سلام والذهب الأولمبي في الفردي، ولكن على الأفضل في التاريخ الظفر بكل شيء.

وعانى ديوكوفيتش في مسيرته لتحقيق ذلك، على الرغم من البداية المبشرة بالظفر بالبرونزية في أول مشاركة أولمبية له في بكين 2008، ولكن بعدها لم يعرف الطريق لمنصات التتويج سواء في لندن 2012 أو ريو 2016 أو طوكيو 2020.

وأنهى ديوكوفيتش، العقدة بأفضل صورة ممكنة، بالفوز على المتوهج كارلوس ألكاراز في نهائي باريس 2024 بمجموعتين دون رد، لينهي العقدة ويحصد الذهب الأولمبي ويثبت أنه حتى بعمر 37 عامًا، يستطيع قهر أي لاعب.

اكتمال اللغز  

ظهرت الراحة في تصريحات ديوكوفيتش عقب التتويج بالذهب الأولمبي، حيث قال “تغمرني ملايين المشاعر الآن بين الإيجابية والفخر الشديد والسعادة الكبيرة”.

وتابع “إمكانية الفوز بالميدالية الذهبية للمرة الأولى في مسيرتك لبلدك، هو أكبر إنجاز يمكن تحقيقه، بالطبع أريد الفوز بكل شيء في مسيرتي، وبالطبع من بينهم كأس ديفيز وخاصة الذهب الأولمبي الذي حققته لصربيا”.

وأضاف “نعم اللغز اكتمل، أنا أكبر ناقد لنفسي وخضت ربما أكبر معركة داخلية لمواصلة القتال، فأنا لا أشعر أبدًا أنا ما قدمته كافيًا، أنا ممتن للفوز بالميدالية الذهبية التاريخية واستكمال كل الأرقام القياسية”.

والآن لم يعد هناك أي لقب أو رقم قياسي إلا وانفرد به ديوكوفيتش، ومع تفوقه في كل شيء إلا أن هناك ما يميزه عن فيدرر ونادال.

فهناك ألقاب غائبة عن الثنائي، في الوقت الذي أكمل فيه ديوكوفيتش، مسيرته، ففيدرر لم يتوج بالذهب الأولمبي في منافسات الفردي، ولم يتوج بلقب مونتي كارلو أو روما من قبل في الأساتذة، بينما توج ديوكوفيتش بكل بطولات الأساتذة التسع.

أما نادال فلم يتوج بالبطولة الختامية من قبل، ولم يعرف الطريق أيضًا للقب أي من بطولتي ميامي أو باريس للأساتذة.

ولا يزال ديوكوفيتش في أوج العطاء وقادر على تعزيز تلك الأرقام والارتقاء بها لمستويات تصعب على من بعده، الوصول إليها، والتأكيد دومًا على كونه الأفضل في التاريخ دون منازع.

مقالات ذات صلة