للكاتب فايز أبو شمالة
ظل بطلاً حتى اللحظات الأخيرة من حياته، لم يقل السنوار كلمته ويهرب من المواجهة، قالها حتى النصر أو الشهادة، ونال الشهادة، وترك للشعب الفلسطيني معالم النصر الذي رسمته معركة طوفان الأقصى.يحيى السنوار أسطورة المقاومة الفلسطينية، ملهم الأبطال، ومؤسس القواعد الفكرية والسياسية والتنظيمية لأجيال ستمشي على الطريق الذي عبده يحيى السنوار، وإذا كان يحيى السنوار قائداً لكتائب المقاومة التي تحمل اسم الشهيد عز الدين القسام، الذي ارتقى قبل تسعين سنة، على يد الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية، فإن السنوات القادمة ستنقش اسم الشهيد يحيى السنوار على جبين آلاف المقاومين الذين سيتبعون درب الأبطال، ويمشون خلف مصداقية العطاء.
لقد فرح العدو الإسرائيلي بارتقاء يحيى السنوار، وتجمع الصهاينة في مسيرات احتفالية في القدس وفي أماكن أخرى، وأقاموا الأعراس، وزغردت اليهوديات طرباً للإعلان الإسرائيلي بالوصول إلى قائد المقاومة، وفي ذلك الفرح الصهيوني غير البهيج دلالة الخوف من المستقبل، وفي الفرح الصهيوني معاني الرعب الذي زرعه رجال المقاومة بين مفاصل حياة الصهاينة، وقد ظنوا أنهم امتلكوا الأرض، وباتوا أمنين فوق ترابها، قبل أن يخرج عليهم رجال فلسطين، مشهرين حد السيف تارة، وسيف القدس تارة، وطوفان الأقصى تارة أخرى، فكان الفرح الصهيوني باستشهاد السنوار دليل قوة المقاومة، وقوة تأثيرها المعنوي على حياة الإرهابيين.
وبعيداً عن الإعلام الإسرائيلي الذي يوحي بان الفرصة باتت مهيئة لصفقة تبادل أسرى، وإنهاء الحرب على غزة، في اتهام مباشر للسنوار بأنه كان المعيق لصفقة تبادل أسرى، وأن غياب السنوار سيفضي إلى الجديد في هذا الشأن، وسيسهل تنفيذ صفقة تبادل، ووقف الحرب، وفي ذلك إشارة إلى أن الصهاينة يجهلون حقيقة الشعب الفلسطيني، بعد مئة عام من المقاومة، ويجهل الصهاينة أن السنوار قائد يخلي موقعة لقائد آخر، لا يقل بأساً وعزماً وقوة وصدقاً عن يحيى السنوار، وما رسمه السنوار من معالم طريق، ستظل المرشد الروحي لكل قائد لحركة حماس، يأتي من بعده، ويتحمل مسؤولية القرار في المرحلة القادمة.
ففي تجربة حركات المقاومة ما يشير إلى ذلك، فقد ذهب الشيخ أحمد ياسين، فجاء الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وهم لا يقل شجاعة وإقداماً عن الشيخ ياسين، وقضى الرنتيسي نحبه، فجاء خالد مشعل ليواصل المشوار، ومن بعد إسماعيل هنية، ثم السنوار، وفي كل مرحلة تجديدية للقيادة، كان التوجه إلى مزيد من التمسك بالحق الفلسطيني، والمزيد من رفض الخضوع للشروط الإسرائيلية، والضغوط الدولية التي سعت لنزع سلاح المقاومة.
السنوار لم يكن مجدداً في اختيار الشهادة، لقد كان تابعاً، فقد سبقه الكثير من قيادات الشعب الفلسطيني، تلك القيادات التي رفضت خيانة الأمانة، ورفضت التفريط بالحقوق الفلسطينية، فكان أبو عمار أسبق إلى الشهادة من السنوار، وكان أبو جهاد وصلاح خلف ورائد الكرمي، وكان الدكتور فتحي الشقاقي، وكان أبو علي مصطفى، وكان مروان البرغوثي وأحمد سعدات، وكان سمير القنطار، كل أولئك الشهداء والأسرى من القادة، هم رفاق السنوار.
فهؤلاء القادة هم عنوان الحق الفلسطيني، وهم راية الشعب التي لما تزل تخفق بالمقاومة، وترفض أن تنكس الراية، ومع ذلك، فقد تميز السنوار على جميع من سبقه من الشهداء، وذلك حين ارتقى في الميدان، وهو يحمل سلاحه، ويقاتل كتفاً بكتف مع رفاق السلاح، لقد ارتقى السنوار في الصوف الأولى للمواجهات مع العدو، وهذا ما جعل السنوار آية عظيمة من آيات المقاومة الفلسطينية.