تحذير مبكر من العراق إلى العالم.. هناك تهديد للبشرية

 نبه تقرير أمريكي، إلى ‎أن تغير المناخ يشكل تهديدات خطيرة للبيئة والزراعة والصحة العامة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في العراق، معتبراً أن العراق هو “تحذير مبكر من آثار تغير المناخ على مستوى العالم”.

وجاء في تقرير لمجلة “الدراسات الأمنية” في جامعة جورج تاون الأمريكية، أن “مساعي العراق لبناء القدرة على الصمود ضد تهديدات تغير المناخ، تلزم اتخاذ إجراءات عاجلة لتأمين الموارد المائية وحماية السكان الضعفاء وتعزيز مرونة القطاع الزراعي، لافتاً إلى أن العراق هو تحذير مبكر من آثار تغير المناخ على مستوى العالم، ومع ذلك، إذا تمت إدارتها بشكل مناسب، يمكن أن يكون العراق أيضا مختبراً لحلول تغير المناخ”.

ويعرف العراق الحديث، باسم بلاد الرافدين – دجلة والفرات – وهو مهد الحضارة الإنسانية، كانت التربة الخصبة في أنهارها هي المكان الذي بدأ فيه البشر الأوائل الزراعة لأول مرة.

لكن وبحسب التقرير، حول تغير المناخ الذي يصيب هذا البلد، إلى أحد أكثر البلدان عرضة لآثار تغير المناخ، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار وتدهور التربة وحالات الجفاف الشديد إلى تحويل البيئة شبه القاحلة في العراق إلى صحراء، ومع اشتداد تغير المناخ، ستتعرض الموارد المائية والزراعة والصحة العامة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في العراق للتهديد”.

‎ووفق التقرير، فإن مشكلات العراق ليست فريدة من نوعها في المنطقة، حيث يعيش جيرانه الأكثر ثراء في بيئات صحراوية أكثر قسوة، ومع ذلك فقد بنوا القدرات والموارد اللازمة لتحلية ما يصل إلى 90٪ من مياه الشرب، وتمتلك دول الخليج نظاما كهربائيا مستقرا يوفر تكييفا مناسبا لشعبها، ويستوردون أيضا معظم غذائهم ويستثمرون في أنظمة الزراعة المائية عالية التقنية لزيادة الإنتاج المحلي، في حين لا يمتلك العراق بعد البنية التحتية أو الموارد اللازمة لإدارة آثار التغيرات المناخية كما يفعل جيرانه.

ندرة المياه

‎وبحسب تقرير المجلة الأمريكية، فإنه على مدى السنوات الأربعين الماضية، انخفض الإنتاج من دجلة والفرات – اللذان يوفران ما يصل إلى 98٪ من المياه السطحية في العراق، بنسبة 30-40٪. هذا الانخفاض مدفوع بانخفاض هطول الأمطار، وزيادة التبخر الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة، والسدود في المنبع من قبل البلدان المجاورة.

وبالإضافة إلى ذلك، أدى انخفاض مستويات الطبقة الجوفية وانخفاض تدفقات الأنهار إلى تفاقم تسرب المياه المالحة، مما قلل من الوصول إلى المياه العذبة عن طريق زيادة الملوحة وإلحاق الضرر بالأراضي الزراعية. في عام 2021، شهد العراق ثاني أكثر مواسم جفافا منذ أربعة عقود، مما أدى إلى نقص المياه في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق الجنوبية مثل البصرة. وفقا للبنك الدولي، إذا استمرت الاتجاهات الحالية، سيواجه العراق عجزا حادا في المياه يصل إلى 10 مليارات متر مكعب بحلول عام 2035 – أي أكثر من خمسة أضعاف الاستهلاك السنوي للمياه في منطقة نيويورك الحضرية. أثر نقص المياه على الوصول إلى مياه الشرب والصرف الصحي والري.

‎الأمن الغذائي

‎وأشار التقرير، إلى أن الزراعة تعد قطاعا حاسما في الاقتصاد العراقي – فهي ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي العراقي بعد الهيدروكربونات. في عام 2021، بسبب ظروف الجفاف، أبلغ مزارعو القمح والشعير في العراق عن انخفاض ما يقرب من 37٪ و 30٪ في غلة المحاصيل المعنية. في عام 2022، انخفض إجمالي الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 50٪، مما أجبر المزارعين على التخلي عن مزارعهم والهجرة إلى المراكز الحضرية أو إلى الخارج. بدأت الحكومة العراقية في تنفيذ مبادرات زراعية ذكية مناخيا لحماية زراعتها. تركز مبادراتها على الاستخدام المستدام للمياه والمحاصيل المقاومة للجفاف وتحسين أنظمة الري.

‎لكن، حالات الجفاف المطولة وسوء إدارة التربة، أدت إلى تدهور كبير في التربة، مما أثر على أكثر من 39٪ من أراضي العراق، كما تغيرت الأهوار العراقية، التي كانت ذات يوم مواقع تراثية لليونسكو، حيث أصبح أكثر من 70٪ من إجمالي مساحة المستنقعات (صحراء)، وتم تحويل 20٪ إلى حقول زراعية، ولم يتبق سوى 10٪ من هذه الأهوار.

مخاطر صحية

‎ووفق التقرير، يهدد تغير المناخ أيضا مخاطر صحية مباشرة على الشعب العراقي بسبب الحرارة الشديدة وتدهور جودة الهواء في السنوات الأخيرة، إذ سجل العراق درجات حرارة تتجاوز 120 درجة فهرنهايت، حيث شهدت مدينة البصرة الجنوبية واحدة من أعلى درجات الحرارة المسجلة “على الإطلاق” على مستوى العالم، عند ما يقرب من 130 درجة فهرنهايت في عام 2016.

‎وعلى الرغم من أن العواصف الترابية شائعة في البيئات القاحلة، إلا أن العراق يعاني الآن من ما يصل إلى 270 عاصفة سنويا، مع تحديد الحرارة والجفاف كعوامل متفاقمة، وأدى ذلك، بحسب التقرير، إلى زيادة في أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والالتهاب الرئوي التي تكافح البنية التحتية للصحة العامة لمعالجتها.

وكان تقرير صدر مؤخرا عن منظمة الصحة العالمية، سلط الضوء على أمراض الجهاز التنفسي المرتبطة بالعوامل المتعلقة بالمناخ باعتبارها خطرا صحيا رئيسيا في العراق، مشدداً على ضرورة “تحسين إدارة جودة الهواء واستراتيجيات التكيف مع الرعاية الصحية”.

نزوح وصراع

‎ولفت تقرير مجلة “الدراسات الأمنية” في جامعة جورج تاون الأمريكية، إلى أن تغير المناخ أدو إلى تفاقم النزوح والصراع داخل العراق، نتيجة ندرة المياه وانخفاض الإنتاج الزراعي خصوصاً في مناطق جنوب البلاد، حيث تكون آثار تغير المناخ أشد حدة، غالبا ما تتصاعد النزاعات حول حقوق المياه والأراضي إلى عنف، ما أجبر بعض العراقيين على الانتقال إلى المستوطنات غير الرسمية.

ويعيش ما يقدر بنحو 1.2 مليون عراقي في مستوطنات غير رسمية، حيث تفتقر المجتمعات المحلية النازحة في كثير من الأحيان إلى الحصول على الخدمات الأساسية، وهو ما يزيد من التوترات في المراكز الحضرية التي تتصارع مع إمدادات المياه المتوترة وخدمات الصرف الصحي والكهرباء.

‎ومع تزايد المنافسة على الموارد، يزداد احتمال حدوث صراع محلي، إذ يمكن أن يؤدي تأثير المصب لهذا العنف إلى تفاقم عدم الاستقرار، وفق التقرير الأمريكي.

‎ولا تقتصر آثار تغير المناخ في العراق على حدوده، إذ يرتبط كذلك بالتغيرات في أنماط الهجرة التي تؤثر على بقية العالم، حيث شهد العالم المتقدم، وخاصة أوروبا، زيادة كبيرة في طلبات الهجرة من قبل عراقيين، مدفوعة بالصراعات المرتبطة بالمناخ ونوعية الحياة ومخاوف سبل العيش.

‎وبدأ العراق العديد من التدابير لمكافحة تغير المناخ، واعتمدت الحكومة خطة تكيف وطنية تركز على الإدارة المستدامة للمياه، وتحسين أنظمة الري، واستثمارات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وعلى المستوى المحلي، يعزز العراق الاستراتيجيات المجتمعية، مثل حصاد مياه الأمطار وتنمية المحاصيل المقاومة للجفاف، كما يتبع برامج لاستعادة المستنقعات وحماية النظم الإيكولوجية الطبيعية، حيث أن الحفاظ على النظم الإيكولوجية للأراضي الرطبة يخفف من بعض الأضرار الناجمة عن تغير المناخ.

مقالات ذات صلة