جامعة بغداد تعلن اكتشاف “أنشودة بابل القومية” باستخدام الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع ميونخ

أعلن قسم الآثار في كلية الآداب – جامعة بغداد، اليوم الاثنين، عن اكتشاف نص أدبي مسماري غير مسبوق يعرف بـ”أنشودة بابل”، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة لتحليل ودمج النصوص القديمة، وبالتعاون مع منصة “الأدب البابلي الإلكتروني (eBL) التابعة لجامعة ميونخ الألمانية.
ويأتي هذا الاكتشاف النوعي في إطار مشروع بحثي مشترك يقوده رئيس قسم الآثار في كلية الآداب الدكتور أنمار عبد الإله فاضل، وبالشراكة مع الاستاذ الدكتور انريكي خيمينز من إسبانيا، إذ تمكن الفريق من إعادة تركيب نص مفقود عبر دمج نصين جزئيين على نصفي لوحين مسماريين عثر عليهما في موقع “سبّار” الأثري.
وأجرت الخبيرة الألمانية كارما كوتشو عمليات صيانة دقيقة للوحين، قبل أن يدمج محتواهما رقميا باستخدام الذكاء الاصطناعي، ما أتاح الكشف عن نص أدبي مكون من نحو 250 سطرا باللغة الأكدية، يتغنى بالإله مردوخ، الإله القومي لبابل، بوصفه منظم الكون وراعي البشر وباني المعابد والمقدسات.
وتتضمن الأنشودة، بحسب الفريق البحثي، وصفا أدبيا راقيا لجمال مدينة بابل ونهر الفرات الذي يخترقها، وتشيد بسكانها من الرجال والنساء، في نص يسلط الضوء على القيم البابلية المرتبطة بالكرم والوفاء والولاء للمدينة والمعبد، ما جعل الباحثين يصفونها بأنها “نشيد قومي” حفظه البابليون وتناقلوه على مدى قرون.
وقد نشرت نتائج المشروع العلمي في عدد من المجلات الأكاديمية العالمية، وأدرج النص ضمن منصة eBL الرقمية، ما أتاح للباحثين والمهتمين في مختلف دول العالم الاطلاع عليه ودراسته، في خطوة وصفت بأنها من اهم النماذج على توظيف الذكاء الاصطناعي في فك رموز النصوص المسمارية المفقودة.
وفي إطار توثيق هذا الاكتشاف، أنجز لوح تعريفي فولاذي مقاوم للعوامل الجوية نقشت عليه أبيات مختارة من الأنشودة باللغتين العربية والإنكليزية باستخدام تقنيات الليزر، ويعرض حاليا في مدينة بابل الأثرية، ليتيح للزائرين فرصة الاطلاع على إرث المدينة التاريخي ومكانتها في ذاكرة الحضارات.
ورغم أن أكثر من ثلث نص الأنشودة ما يزال مفقودا، إلا أن الفريق البحثي أبدى تفاؤله بإمكانية استكماله مستقبلا عبر مواصلة التحليل عبر منصة eBL، بما يسهم في إغناء الدراسات الرافدينية وإعادة إحياء نصوص حضارية أرخت لفكر الإنسان في بلاد الرافدين على مدى آلاف السنين.
ويعرض نص الترنيمة وصفا أدبيا لقوى مردوخ الشفائية وعظمة مدينة بابل، ولمياه الفرات التي تعد واهبة للحياة وتغذي حقول المدينة، فضلا عن مدى كرم الرجال والنساء البابليين. كما تذكر الترنيمة أول ملكين أسطوريين في بابل، الولو والالجار، وتدعو أي حاكم في المستقبل إلى الحفاظ على حرية الشعب البابلي.
وقد اكتشف هذا اللوح المسماري في مكتبة “ستار” الشهيرة، التي عثر عليها داخل معبد الإله شمش في مدينة سيار تل أبو حبة (حاليا). وبمساعدة المكتبة البابلية الإلكترونية، جرى اكتشاف عشرين نصا إضافيا يحمل محتوى نص الترنيمة نفسها، يعود تاريخها إلى ما بين القرن السابع والقرن الأول أو الثاني قبل الميلاد.
وكانت الترنيمة جزءا أساسيا من المنهج التعليمي المعتمد في ذلك الوقت، حيث كان الأطفال البابليون يحفظون أبياتها بانتظام عن ظهر قلب. وقد صور مؤلفها بكل مهارة إخلاصه للمدينة وآلهتها وشعبها، ما أسفر عن إنتاج نص أدبي استمر صدى كلماته في التردد حتى العقود الأخيرة من عصور الكتابة المسمارية.
وتعليقا على الاكتشاف، قال رئيس جامعة بغداد الأستاذ الدكتور بهاء إبراهيم إنصاف: “نثمن عاليا جهود فريق البحث وعمادة كلية الآداب، ونعد هذا الاكتشاف تتويجا لاستراتيجية الجامعة الرامية إلى الدمج الخلاق بين الجذور الحضارية للعراق واستخدام أدوات العصر الحديث، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي”، مؤكدا إن “إعادة إحياء نص من حضارة الرافدين بهذه الطريقة النوعية يعكس صورة جامعة بغداد كمؤسسة رائدة في الحفاظ على هوية العراق العلمية والثقافية”.
وأضاف إنصاف: “نحن نستعد اليوم أيضا لاستضافة المؤتمر الدولي الآشوريات عام 2026 في حرم جامعتنا، ويعد من اهم المؤتمرات المتخصصة في دراسة حضارات العراق القديم”، مؤكدا ان “المؤتمر يمثل فرصة لإظهار العراق كدولة تنهل من إرثها الحضاري، وتعيد تقديمه بلغة معاصرة، لتسهم في إنتاج معرفة إنسانية حية تنطلق من التاريخ نحو المستقبل”.
ويمثل هذا الاكتشاف دليلا على توجه جامعة بغداد نحو تعضيد التكامل بين الإرث الحضاري والتكنولوجيا الحديثة، عبر دعم البحوث متعددة التخصصات وتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في الدراسات الإنسانية. ويأتي ذلك في وقت تستعد فيه الجامعة لافتتاح كليتي التميز والذكاء الاصطناعي في شهر أيلول المقبل، ضمن خطتها الاستراتيجية لترسيخ مكانة العراق العلمية وريادته في مجالات الابتكار والمعرفة المتقدمة.

مقالات ذات صلة