انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو وحدود التفاهمات الروسية التركية

للكاتب سنية الحسيني

 تستمر الحرب ما بين توسع رقعة السيطرة الروسية في أوكرانيا، وتصاعد موجة العقوبات على روسيا، واستخدام روسيا أسلحتها الاقتصادية لمواجهتها، في ظل تحذيرات مراقبين بأن استمرار الحرب من شأنه أن يجر مخاطر كبيرة على الاستقرار الاوروربي بشكل خاص والعالم بشكل عام. حيث استثمرت أميركا وحدها في هذه الحرب حوالي ٥٣ مليار دولار، بالإضافة إلى المساهمات الغربية الأخرى، كمساعدات تضمن بقاء أوكرانيا صامدة. ويسعى الغرب بشكل صريح لتحقيق هزيمة لروسيا في أوكرانيا، تضمن لهم عدم السماح لروسيا بتهديد السلم في أوروبا مستقبلاً.

و لا يمكن اعتبار أن الطلبين اللذين تقدمت بهما كل من فنلندا والسويد لحلف الناتو للانضمام اليها في الثامن عشر من الشهر الماضي يخرج عن ذلك النسق وتلك المساعي. ويشكل انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف العسكري، إن وافقت تركيا على هذا الانضمام، مزيداً من التعقيدات في اطار الازمة العسكرية الأوروبية، إلا أنه يمكن إن يكشف أيضاً مدى وحدود التعاون الاستراتيجي بين روسيا وتركيا. وليس من المتوقع أن ينضم البلدان للحلف خلال قمته القادمة نهاية الشهر الجاري، في ظل الشروط التي تضعها تركيا حالياً.و لتحقق مكاسب سياسية وعسكرية مهمة لها، حيث أن لها سوابق في استخدامها الفيتو المعطل لقرارت حلف الناتو من قبل، في سبيل تحقيق مصالحها.

 والسؤال الذي يطرح هنا هو هل ان  مصالح تركيا فقط أم علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا أيضاً، من يقف وراء موقفها الرافض من انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو؟ فقد قررت كل من فنلندا والسويد طي صفحة الماضي وتراجعها عن تبني سياسة عدم الانحياز العسكري، الذي حكم سلوك البلدين منذ عقود طويلة، بعد قرارهما الانضمام لحلف الناتو. وعملت فنلندا بسياسة عدم الانحياز منذ أكثر من ٧٥ عاماً، بعدما التزمت بذلك للاتحاد السوفيتي عام ١٩٤٨ الذي لم يضمها لأراضيه، بينما امتدت سياسة السويد بالعمل بتلك السياسة منذ القرن التاسع عشر، حيث لم يخض هذا البلد أي حرب منذ العام ١٨١٤، والتزم رسمياً بسياسة الحياد مع نهاية حروب نابليون.

 ولم تشارك في الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن الماضي. وخصص البلدان ميزانية عسكرية كبيرة، خلال الحرب الباردة، في ظل موقعهما خارج التحالفين الشرقي والغربي، انخفضت بشكل ملحوظ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.  ولم يكن البلدان بعيدان عن السياسة الغربية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فابرم البلدان منذ تسعينيات القرن الماضي اتفاقيات شراكة مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وشاركا في مهمات الحلف في البلقان وأفغانستان والعراق، كما شاركت السويد مؤخراً في جمهورية مالي أيضاً، الا أن الحرب الأوكرانية الروسية الأخيرة شكلت الانعطافة الحادة في قرار البلدين نحو الغرب.

ورغم اعتبار فلاديمير بوتين أن انضمام فنلندا والسويد لا يشكل تهديد مباشر لروسيا، الا أنه اعتبر أن روسيا سترد على عمليات الانتشار العسكري لحلف الناتو على حدودها. وجاء الحديث في روسيا عن أن توسيع البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو في هذين البلدين سيستدعي إمكانية حدوث رد عسكري تقني، والذي يأتي في إطار تفعيل جبهة الردع الروسية الغربية، لمواجهة هذا التحول العسكري المفترض، وكذلك في إطار الإشارة إلى نشر صورايخ نووية روسية في بحر البلطيق. ويفعل دخول فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، العمل بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف، والتي تعتبر أن أي هجوم على أحد أعضاء الحلف هجوم على جميع الأعضاء، الامر الذي يتطلب تفعيل نظام الامن الجماعي لردع المعتدي.

 كما يفترض دخول  كل من فنلندا والسويد للحلف إمكانية زرع لقواعد عسكرية في هذين البلدين، واقتراب القوة العسكرية للحلف من الحدود الغربية لروسيا، وهو الأمر الذي يفسر تحذيرات روسيا للبلدين بأنهما سيكونان على خط جبهة الناتو. وبانضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، سيصبح على حدود روسيا سبع دول من حلف الناتو بدل خمس، وتتشارك الحدود حاليا مع روسيا خمسة دول أعضاء في حلف الناتو هي: استونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا والنرويج  بحوالي ١٢٠٠ كيلو متر. وستتضاعف مساحة هذه الحدود بانضمام فنلندا، التي تتشارك وحدها مع روسيا بحوالي ١٣٠٠ كيلو متر. كما سيشكل انضمام كل من فنلندا والسويد إلى الحلف سيطرته على بحر البلطيق، باستثناء منطقة المياة الروسية المحيطة بـ سان بطرسبرغ، حيث تمتلك روسيا أسطول بحري كبير فيها.

Facebook Comments

Comments are closed.