سورية… ومؤشرات الانحدار الأمريكي

للكاتب خيام الزعبي

منذ سنوات، ترديد الأسطورة الكاذبة، القائلة بأن الولايات المتحدة المثال الأنموذجي في الحكم والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين البشر، لكن الأحداث المتسارعة التي حدثت في المنطقة وخاصة بعد هزيمة القوى العالمية في الحرب الإرهابية التي تشنها على الشعوب العربية في سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر وفلسطين فإن الأسس والركائز التي بنيت عليها هذه القوى بدأت بالانهيار وبذلك أصبحت تتكشف عيوب النظام الأمريكي والغربي وهشاشته.وفي مرحلة الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة تلوح ببعبع “الشيوعية” ثم استبدلتها بـ ”الإرهاب”، عندما شعرت ببداية انهيار نفوذها في المنطقة.

 وتسعى الولايات المتحدة إلى تأجيل إعادة توزيع النفوذ في العالم، عبر الحروب، المباشرة أو بالوكالة، خصوصاً ضد القوى التي تسعى إلى إرساء “عالم متعدّد الأقطاب” (روسيا والصين) أو ضد الدول التي تقف عائقاً ضد مصالحها، وبذلك استخدمت الولايات المتحدة جميع الأدوات، منها العقوبات الاقتصادية ، للحفاظ على مواقعها  ونفوذها. فقد لوحظ أثناء الحرب الأوكرانية الروسية كيف أرسلت الولايات المتحدة الأسلحة والمعدات العسكرية إلى وكلائها في أوكرانيا  لإغراق خصومها في نزاعات طويلة الأمد وإعاقة تنميتها وتطورها (روسيا)، كما لاحظنا أيضاً تكثيف الحضور العسكري الأمريكي في المحيطين الهادئ والهندي.

 وفي بحر الصين، وتعدد المناورات العسكرية بمشاركة اليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، بهدف استفزاز الصين، والهدف الأساسي من كل هذه المحاولات حتى لا تتحول روسيا و الصين إلى لاعبين اقتصاديين وسياسيين وازن في الإقليم.كما أن الفشل الأمريكي في سورية والعراق، ومن بعده في أفغانستان، ومنطقة الشرق الأوسط، والحرب الروسية الأوكرانية  والموقف الصيني و دوره في لجم الإندفاع والتهور الأميركي تجاه العديد من الملفات الدولية المعقدة، كان ضربة البداية لتشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يعترف بقوة روسيا  العسكرية والسياسية، وبالصعود الصيني الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري.

اليوم تمرّ أمريكا في مرحلة مفصليّة من إعادة رسم تحالفاتها في المنطقة، بما في ذلك سورية الذي يبدو أنها لم تعد تملك قدرتها وخبرتها على فهم تطورات الأحداث فيها، بعدما كانت صانعة لأحداث المشهد في سورية، فظهور تنظيم “داعش” ودخوله في الحرب ضد الجيش السوري، كان من العوامل التي تصب في المصلحة الأمريكية، لكن إنضمام الحلفاء (روسيا و إيران) إلى الحرب ضد الإرهاب أحبط الخطط الأمريكية  في سورية .لذلك واشنطن لم تتمكن من تحقيق أهدافها في سورية، رغم كميات الأموال والأسلحة المتدفقة إلى أيدي التنظيمات المتطرفة،  فلم تساعد تلك التدفقات خلال سنوات الحرب من تحقيق نقلة نوعية في سياق العمليات القتالية، بل على العكس، يشهد ميدان القتال السوري إنكماشاً حاداً لنجاحات هذه التنظيمات، وتواصل واشنطن السير على هذا الطريق، رغم فشل الجهود الرامية إلى إسقاط محور المقاومة طوال السنوات الماضية.

وفي الإتجاه الآخر، يعرف الرئيس بايدن أنه في ورطة كبيرة لا يستطيع أن يمنع الجيش السوري من تحرير المنطقة من عصابات الإرهاب وفي نفس الوقت يدرك عواقب فشله في سورية، ويعرف العواقب الوخيمة التي سترتد على قواته المتواجدة فيها وفي المنطقة التي تعددت فيها مغامراته اللامسؤولة ، بالتالي سيبتلع بايدن مرغما ما تلقاه من هزائم حتى الآن، وسيتقبل  بحدود الدور المقرر له بعد التطورات الميدانية في سورية، كما يعرف أن القادم أصعب بالنسبة له كونه يدرك أن التراجع في سورية يعنى الهزيمة الصعبة التي وصلت إليها مغامراته في سورية.

ومن الأسباب الداخلية لمؤشرات تراجع القوة الأمريكية، فقد تسبب التمدد الأمريكي العسكري وخوض حروب الإرهاب المصطنعة بهدف الهيمنة بنفقات هائلة، سرعان ما انعكست محلياً بضربة موجعة للنموذج الاقتصادي الأمريكي، كما اتسم الواقع الذي يعيشه المجتمع الأمريكي حيث الفجوة الكبيرة في الدخل للأفراد فهناك الطبقة الاروستقراطية الطبقية الغنية والتي تمثل 30% من الشعب أما 70% من الشعب يفقد الضمان الاجتماعي والصحي ويعيش تحت خط الفقر هذا مما يؤدي الى الإنفجار في أي وقت ممكن، بالإضافة الى الدين الخارجي فقد تخطى 200 مليار دولار .

Facebook Comments

Comments are closed.