تندرج زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى طهران ولقائه القيادة الايرانية الى جانب الرئيس التركي اردوغان في قمة ثلاثية، في سياق الماراثون التسابقي المستعر بين الدولتين العُظميين روسيا وامريكا، لتأكيد و/أو إحياء الصداقات والنفوذ في منطقة الشرق الاوسط ذات الاهمية الاستراتيجية لكلا القطبين، فبعد ايام معدودة من انتهاء الزيارة الفاشلة للرئيس الامريكي جو بايدن الى المنطقة، حطت طائرة رئيس الكرملين في طهران، فاقرب حلفاء موسكو وشريكها الاستراتيجي، وانضم اليهم الرئيس الرافض لاوامر واشنطن والعضو المعيق – ولو مؤقتاً، لتوسع حلف الناتو شرقاً، الرئيس اردوغان.
الى جانب عدد من الملفات الاقتصادية والشراكات التجارية والامنية، كانت الازمة السورية، حاضرة على طاولة المباحثات بين الرؤساء الثلاث بصفتهم الدول الضامنة لتفاهمات استانا، (الراعية للحوار بين النظام السوري والمعارضة)، الى جانب مناقشة المخاوف الامنية لانقرة عقب تهديدها بإطلاق عملية عسكرية في شمال سوريا، سبق وان اعلن عنها الرئيس اردوغان في يونيو/ حزيران تستهدف تقويض التنظيمات الارهابية، والجماعات المسلحة- قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن، ودفعهم بعيداً عن الحدود التركية الجنوبية، الى عمق يصل الى 30كم داخل الاراضي السورية.
وضمن هذا السياق، تُجمع كل من موسكو وطهران، على أهمية مهاجمة أنقرة لمواقع الجماعات المسلحة بما فيها الجماعات الارهابية بهدف تقليم أظافر واشنطن والحد من نفوذها في الشمال السوري، بشرط ان يغادر الجيش التركي كامل التراب السوري بعد تنفيذ أهداف العملية العسكرية، وبالتالي تعيد الدولة السورية سيطرتها على الاراضي المحررة. لكن، في الوقت نفسه، فإن طهران تنظر بعين الشك الى مدى تخلي انقرة عن إستراتيجيته المعلنه، بما فيها اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، الى جانب ضم المزيد من الاراضي السورية تحت سيطرتها والتقدم نحو مدينة حلب.
وان حالة عدم اليقين وغياب الثقة بين الاطراف، يتفهمها الرئيس بوتين، الشريك الاستراتيجي لطهران والداعم الاساس لدمشق. وبالتالي، فإن موسكو تبدي معارضتها لهذه العملية – على الرغم من وجود مصالح لها في الاطاحة بحلفاء واشنطن في الشمال السوري، يرى بوتين أن إطلاق هذه العملية دون موافقة كافة الاطراف عليها، من شأنها ان تتطور الى مواجهة عسكرية بين الجيشين التركي والايراني/السوري، على غرار ما حصل مطلع عام 2020 في عملية “درع الربيع” والتي بموجبها سيطرت تركيا على أجزاء من المنطقة الشمالية لسوريا، وحينها اقترب الجيشان من المواجهة العسكرية، لكن تدخل الجيش الروسي نزع فتيل الازمة.
فسياسة تضارب المصالح بين الطرفين التركي والايراني، بما فيها التقارب التركي الاوثق مع اسرائيل، الى جانب إستراتيجية أنقرة في زيادة توسعها الجغرافي ونفوذها السياسي على حساب الاراضي السورية والعراقية ضمن محاولات إحياء “الارث العثماني”، تدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعمل كرجل إطفاء قبل نشوب الحريق الذي سيأتي على أهم حلفائه في المنطقة – ايران وسوريا، وهو ما نجح به بالفعل، بعد تهدئة المخاوف الامنية لاردوغان و التأكيد على “مواصلة التعاون مع تركيا بهدف القضاء على الارهابيين”، بالمقابل حصل بوتين على تعهد تركي “بالمحافظة على وحدة الاراضي السورية.”
بالنظر الى المصالح الروسية المتزايدة في المنطقة، فقد وصف بوتين لقاء القمة بانه “مفيد جدا”، فمن ناحية، نجح في نزع فتيل الازمة مرةً اخرى أو على الاقل تأجيلها، من ناحية أخرى، ضمن استمرار ثبات تركيا على وضعية الحياد-على الاقل، في الحرب الدائرة في اوكرانيا بين موسكو وواشنطن، وبالتالي ضمان استمرار التشقق في مواقف دول الناتو تجاه موسكو. وبإنتظار ميزة اخرى سيمنحها لتركيا وهي إعلان نجاح جهودها الدبلوماسية في وساطتها لتصدير الحبوب الاوكرانية عبر البحر الاسود. وبالتالي يكون بوتين قد حقق أهدافه من هذه الزيارة على عكس زيارة غريمه بايدن، وحافظ على موارد حلفائه لمواجهة الهيمنة الامريكية في مناطق اخرى من العالم، وفتح الباب نحو تحالفات اوسع وأكثر ثقة