العلاقات الإيرانية الروسية اختراق تاريخي.. ماذا عن المستقبل؟

للكاتب كمال خلف

تشن الدول الغربية حملة على ايران بزعم انها زودت روسيا بطائرات مسيرة قلبت مسار المعركة في أوكرانيا، وتزعم التقارير الغربية ان ايران أرسلت مستشارين الى شبه جزيرة القرم لمساعدة روسيا في الحرب، فيما تنفي ايران هذه التهمة، وتؤكد انها ليست طرفا في الحرب شرق أوروبا، وبذات الوقت لا تنكر ايران وكذلك روسيا التعاون العسكري بينهما الذي يشكل جزء من شراكة مستجدة واسعة في مجالات عدة. وقبل أيام أبرمت طهران عقدا مع روسيا لتزويدها بعدد 40 توربينا بهدف مساعدتها في مجال صناعة الغاز، في ظل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو .

وما من شك ان العلاقة بين الطرفين بلغت تطورا غير مسبوق في تاريخ العلاقات الثنائية القديم والمعاصر، وهي المرة الأولى في التاريخ التي يصل فيها الطرفان الى هذا الحد من الشراكة والثقة .و لعل الحرب في سورية مثلت نموجا لهذه الشراكة او نقطة انطلاقة لها، سعى الطرفان لافشال مشروع اسقاط النظام في سورية و محاولة قلب الدور الجيوسياسي لسورية لصالح الغرب، وهذا كان مهما لمصالح الطرفين في الفضاء الإقليمي والدولي، والاهم التعاون بينمها لمنع الحالة “الجهادية” المتطرفة  في سورية من ان تمتد نحو المجال الحيوي المشترك لكلا البلدين في اسيا الوسطى والقوقاز والقضاء عليها في سورية.

 فمنذ لحظة انطلاق مشروع الرئيس “فلاديمير بوتين” الاستراتيجي لاستعادة دور روسيا على المسرح العالمي كقوة عظمى ، والعودة الى مناطق النفوذ السوفيتي سواء في المحيط الحيوي او في الشرق الأوسط او القرن الافريقي وعت موسكو أهمية الوزن الإيراني في المعادلة الإقليمية، وتخلت روسيا بناء على ذلك عن التردد والاحجام الذي طبع العلاقة بين موسكو وطهران لعقود من الزمن ، وبالمقابل يبدو ان طهران شرعت في التخلي عن عدم الثقة الذي صبغ السياسية الإيرانية تجاه روسيا تاريخيا وليس في زمن الثورة الإسلامية فقط، وساعد في ذلك تحرر موسكو من التزاماتها مع الغرب بعد وقوف الأخير طرفا في الحرب لصالح أوكرانيا ضدها.

 كما تبدو العلاقات الروسية الإسرائيلية اخذة في التدهور مع وقوف تل ابيب الى جانب أوكرانيا والاطلسي على حساب روسيا وهذا يسهم بشكل تلقائي بتسريع التقارب مع ايران  .وفي نظرة على السياسة  الروسية حيال طهران قبل كل التطورات السابقة نجد انها  لعبت دورا وكانت  سببا أساسيا في فقدان الثقة بين ايران وروسيا وتقلب العلاقات بينهما بين التعاون والانكفاء لسنوات. فقد دعمت موسكو اربع حزم عقوبات ضد ايران في مجلس الامن على خلفية البرنامج النووي الإيراني بين الأعوام 2006 حتى العام 2011، واحجمت روسيا عدة مرات عن استكمال بناء محطة بوشهر، وتراجعت عن صفقات أسلحة بعد ابرامها  مع ايران. كانت روسيا وقتها توازن بين مصالحها مع الغرب وتعاونها مع ايران، مع افضلية  المصالح مع الولايات المتحدة والدول الاوربية.

فسمة التردد والتحفظ والثقة الهشة  في العلاقة الإيرانية الروسية انتهت اليوم  في سابقة تاريخية، وحل محلها الاندفاع نحو الشراكة الاستراتيجية مدفوعة بمصالح مشتركة  أهمها تشكيل تكتل دولي يقف في وجه مشاريع الدول الغربية، والعمل على احداث تغيرات عميقة وجذرية في بنية النظام الدولي عبر جبهة تضم الدول المتضررة من السياسات الغربية والواقعة تحت سيف العقوبات، وطرح التعددية القطبية لاعادة صياغة التوازن العالمي، ولهذه الغاية دعمت موسكو انضمام ايران “لمنظمة شنغهاي وتجمع اوراسيا”، ومشاركة طهران في مناورات ثلاثية مع الصين.

وهذا ما يفسر اطلاق الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا  وبعض الدول الحليفة لهم في المنطقة محاولة أخيرة لضرب ايران من الداخل عبر حشد كافة اذرع الاستخبارات وما يتفرع عنها من جماعات إرهابية، وخلايا مسلحة، واضطرابات اجتماعية، وتناقضات عرقية وقومية  وشبكات عمل داخلية مربوطة بغرف عمليات خارجية، والدعاية والاشاعة، ورصد الموازنات الخ..  والذهاب في المحاولة الى اقصى مداها كورقة أخيرة  لعلها تحدث الفوضى المنشودة في ايران، وتجعل السياسة الإيرانية تنكفأ نحو الداخل لمعالجة الازمة وبالتالي تفقد تأثيراتها الخارجية ودورها الإقليمي مع استنزاف للموارد والطاقات.

مقالات ذات صلة