العلاقات السعودية الأمريكية.. بين المصالح الوطنية وسيكولوجية الحكام

للكاتب فاصل تدمري عبد الوهاب

تتزايد التصريحات والتصريحات المضادة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية بعد قرار منظمة  أوبك بلس تخفيض انتاج النفط  بمليوني برميل يوميا ابتداء من الشهر المقبل . كما ان ما اعتبرته السعودية قرارا اقتصاديا اتخذ  بالإجماع من طرف   المنظمة،  بعد أن تداولت في شأنه لجنة فنية مشتركة  للدول الأعضاء .وأنه  لم يتخذ لغاية سياسية  تستهدف الولايات المتحدة الامريكية، ولا ادارة جون بايدن، بل كان بهدف الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية.اذ لم يكن ابدا مقنعا للإدارة الأمريكية التي رأت فيه تحاملا على مصالحها و انحيازا صريحا لروسيا التي تعمل على توظيف عائدات الطاقة  لتمويل  حربها ضد  أوكرانيا.

لكن بالوقوف عند تداعيات هذا القرار وانعكاساته على العلاقات السعودية الأمريكية.فهل لا زال بالإمكان تصديق  ما اعتبره الكثير من المهتمين بالعلاقات الدولية، أن هذا التوتر مجرد زوبعة عابرة في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين؟ ام ان السجال الحاصل لا يوحي بذلك؟. خاصة بعد أن ارتفع منسوب هذا النزاع الى مستوى تهديد امريكا للسعودية باجراءات عقابية تروم الى مراجعة السياسات الدفاعية والأمنية الأمريكية ،وكذا فرض عقوبات على كيانات فردية ومؤسساتية، اما بدعوى خرقها للعقوبات المفروضة على روسيا والصين .أو بدعوى الدفاع  عن حقوق والحريات بالمملكة بعد أن تم وضعها في الرفوف من طرف الادارات الامريكية المتعاقبة ليتم استخدامها عند الحاجة للابتزاز الاقتصادي والسياسي.

وبالاضافة الى التهديد بمشروع قانون نوبك الذي يسمح بمقاضاة الدول والشركات الاجنبية امام المحاكم الامريكية!  التي تعارض مصالحها الخاصة  في مجال الطاقة والنفط. والمستهدف هنا اساسا السعودية والإمارات. بعد ان طورت الرياض شراكاتها الاقتصادية والتجارية  مع كل من الصين وروسيا. وأبدت  رغبتها في   الانضمام الى مجموعة دول البريكس. ووافقت على استعمال العملات الوطنية  في المعاملات التجارية  مع  شركائها بدل الدولار الأمريكي. وأعلنت عن انخراطها في المشروع الاقتصادي الضخم طريق الحرير الذي عملت الولايات المتحدة الأمريكية على افشاله منذ سنوات من خلال بث النزاعات في الدولة المعنية بهذا المشروع.

وبعد أن ردت السعودية رسميا بعدم المبالات  بالتصريحات الأمريكية مصرة على الطبيعة الاقتصادية للقرار.وأنها غير معنية بالانتخابات الأمريكية المقبلة  التي وصفتها بالشأن  السياسي الداخلي للشعب الأمريكي  .بل و فندت  الادعاءات الأمريكية  في ما يخص تشكي بعض الممالك الخليجية لأمريكا من الضغوطات السعودية ،وذلك  عبر بيان رسمي  أصدرته هذه الدول تضامنا  مع المملكة الذي استهجنت  فيه   كذلك ما ورد من تضليل على لسان المسؤولين الأمريكيين. وبعد ان  ذهبت السعودية والخليجية  في ردودها الى درجة القول  على لسان وزير الطاقة السعودي ما معناه انهم اضاعوا 40  سنة من الزمن دون ان يدروا باهمية مصالحهم الوطنية  التي كان يجب وضعها  فوق كل اعتبار .

 وأنهم لو اختاروا المنهج الصحيح  في العلاقات  الدولية والتنمية الوطنية واشتغلو وفق مشروع التنمية الصناعية الجديد  لكانوا مثل الصين والهند حاليا .او القول  بان امريكا والغرب الأوروبي  هما قوتان مهيمنين على الشعوب ولا زالت تحكمهما العقلية الاستعمارية في علاقاتهما  الدولية كما يقول الأستاذ محمد سرور الصبان كبير مستشاري وزير النفط السعودي السابق. وأن هذه القوى بصدد الانحدار لصالح قوى أخرى صاعدة بقوة كالصين وروسيا في إشارة لنهاية الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية. وان ما يتم التهديد به قد بدأت المملكة في الترتيب له منذ 2016  بعدان أقر الكونغرس الأمريكي قانون “جاستا”أو “قانون محاربة رعاة الإرهاب “.

إن اختزال هذه الأزمة اذن في الإطار السياسي والاقتصادي من طرف  النخبة السياسية الحاكمة في أمريكا المتأثرة بثقافة الكاوبوي الأمريكي المتسيد والمستبد في علاقاته بالآخرين الذين عليهم  واجب  الإذعان والخنوع .حيث يعد هذا خطأ فادحا  يظهر مدى عدم استيعاب النخبة السياسية الأمريكية للتحولات التي تشهدها العلاقات الدولية وكذا عدم إدراكها  للخلفية الثقافية  التي تتحكم  في سيكولوجية حكام الخليج. وبالتالي فإن نهج سياسة التهديدات لا أظنه  يثني الإمارات والسعودية على اختيارهما.بل عكس ذلك تماما قد يعملون على  نسف كل ما تم مراكمته في  علاقاتهم التاريخية باميركا في سبيل استرجاع حرية القرار السياسي والاقتصادي الذي يفتح آفاقا جديدة للنمو بالنسبة لهذه الدول ،خاصة بوجود خيارات اخرى قوية و مضمونة تتيحها الوضعية الدولية الحالية.

مقالات ذات صلة