كيف خسرت واشنطن حليفها الإقليمي لصالح الصين؟

للكاتب حامد أبو العز

منذ احتلال العراق في العام 2003 والحرب التي استمرت لسنوات هناك، سعت الولايات المتحدة إلى خلق مفاهيم ومعايير جديدة لتصنيف الدول، وقد بدأ الرئيس السابق جورج بوش هذه العملية من خلال تزييف مفهوم الاحتلال وتحويله إلى مفهوم “صناعة الأمم” أو ما يشير إليه أستاذ العلوم السياسية “جوزيف ناي” “بنشر الديمقراطية بالوسائل القسرية”.وبعد ذلك تحول الخطاب الأمريكي بشكل جذري نحو تصنيف الدول الصديقة والعدوة (على حد سواء) على أنها إما دول استبدادية أو دول داعمة للديمقراطية!! وبالطبع فإنّ هذا المعيار يستند في واقع الحال إلى مدى تلبية هذه الدول ودعمها للمصالح الأمريكية.

وبعيداً عن الغوص في عمق تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية فيما بعد الحرب العالمية الثانية، يمكننا أن نشير إلى العامل غير المباشر لأفول هذه العلاقة وهو مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. الولايات المتحدة (قبل شيوع فيروس كورونا) شعرت بأنّ العلاقة مع السعودية قد فقدت الأساس التي قامت عليه وهو النفط مقابل الحماية، إذ توقعت الولايات المتحدة أن تنخفض الأهمية الاستراتيجية للنفط في مطلع العام 2020 وبناء على ذلك اتجهت نحو انتقاد السعودية وولي عهدها بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي. وبعد ذلك بدأ المشرّعون من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري بإعداد مشاريع قوانين تهدف لفرض عقوبات على السعودية وإعادة النظر بالعلاقات الأمريكية السعودية .

لقد كان للحرب الأوكرانية وأزمة كورونا الدور الأكبر في عودة الأهمية الاستراتيجية للنفط، فبينما قررت السعودية اتخاذ موقف الحياد من الأزمة الأوكرانية، اتهمت الولايات المتحدة السعودية بدعم موسكو وتقويض العقوبات الأمريكية-الأوربية ضد روسيا.فالرئيس الأمريكي جو بايدن وكما يقول المثل العربي “كسر على أنفه بصلة” وقام بزيارة إلى السعودية حاملاً معه طلباً وحيداً ومحورياً، وهو رفع معدلات إنتاج النفط وذلك لإيجاد حلول لأزمة الطاقة العالمية ولخفض معدلات التضخم في بلاده. وبغض النظر عن الاستقبال الباهت الذي حظي به الرئيس الأمريكي في السعودية علينا القول بأنّ السعودية خلال السنتين الماضيتين اتبعت نهج الواقعية السياسية.

 وعليه فقد تخلت نسبياً عن حرب اليمن وبدأت تنظر إلى مصالحها المبنية على موازنة سوق النفط والمحافظة على أسعاره المرتفعة وعليه فقد رفضت طلب الرئيس الأمريكي في خطوة وصفتها بأنها قرار تقني وفني وليس سياسي. وأنّ وضع سقف سعر للنفط الروسي من قبل أوربا والولايات المتحدة لن يتوقف عند هذا الحد، بل يمكن أن يتعداه إلى جميع الدول المصدرة للنفط وهي جهود قادتها الولايات المتحدة بالطبع. وإن تنويع العلاقات التجارية والاقتصادية والبحث عن شركاء في أسيا هو الحل الأمثل لمستقبل متعدد الأقطاب، وعليه فقد جاءت زيارة الرئيس الصيني الى السعودية تعزيزا لنظرية التوازن الإيجابي في العلاقات الخارجية السعودية  والخروج من معادلة القطب الواحد.

وبالعودة إلى زيارة الرئيس الصيني شي جين إلى السعودية والتي ستستمر إلى نحو ثلاثة أيام، يبدو بأنّ السعودية تستغل كل لحظة في هذه الزيارة فهي وقعت اتفاقيات استثمارية بقيمة أكثر من 30 مليار دولار بينما تم توقيع أكثر من 35 اتفاقية استثمارية بين الشركات السعودية والشركات الصينية وصلت قيمة هذه الاتفاقيات إلى أكثر من 35 مليار دولار.وان ما قاله الرئيس الصيني بأن هناك مؤامة بين مبادرة الطريق والحزام الصينية وبين رؤية 2030 السعودية، يشير إلى تطور مهم في العلاقات وتحول هذه العلاقات إلى المستوى الاستراتيجي. وأن السعودية تسعى من خلال هذه القمة الحصول على الدعم الصيني للدخول إلى منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس، والدخول إلى الأسواق الأسيوية .

يبدو وبشكل قاطع بأنً المباحثات الصينية السعودية لن تقتصر على الجانب التجاري والاقتصادي بل ستتجه نحو الجانب الأمني والعسكري ونقصد هنا وبشكل محدد صفقات الأسلحة. إذ أن السعوديون يتذكرون جيداً كيف قامت الولايات المتحدة بسحب منظومات الدفاع الجوي باتريوت من السعودية في ظل تصاعد تهديد الحوثيين هناك كما أنهم لا ينسون كذلك امتناع الولايات المتحدة عن الرد العسكري في ظل استهداف عصب الاقتصاد السعودي ونقصد هنا شركة أرامكو في 2019.وإن أصدق وصف يمكن أن نطلقه على الحالة الراهنة بين الولايات المتحدة والسعودية وبين الصين والسعودية هو “المعادلة الصفرية” والتي تعني في المفهوم العام هي أن ما يكسبه طرف من أطراف النزاع يُعتبر خسارة للطرف الآخر.

مقالات ذات صلة