مع ارتفاع حدة المواجهات في شرق أوروبا بين الحلف الأطلسي وروسيا على الأراضي الأوكرانية، وما تخللها من تخطيط وتطور في نوعية الأسلحة المستخدمة، والتي بلغت حد الإعلان عن بداية إشراك القاذفات الاستراتيجية وصواريخ سيركون وطائرات الشبح سوخوي57 من الجانب الروسي، كرد على زيادة الدعم العسكري الأمريكي الأطلسي لأوكرانيا، بإعلانه إرسال ترسانة حديثة من الأسلحة تتضمن بطاريات باتريوت للدفاعات الجوية الأمريكية وآخر ما أنتجته من دبابات مصانع الأسلحة الامريكية والفرنسية والإنجليزية والألمانية.
فهذا ينذر بقرب المواجهة المباشرة التي قد تكون عواقبها وخيمة خاصة على أوروبا التي تحتضن العشرات من القواعد العسكرية والصواريخ النووية الأمريكية، بالشكل الذي سيجعلها أولوية في الاستراتيجية الهجومية للقوات العسكرية التقليدية والنووية الروسية في حال تحول هذا الصراع إلى حرب شاملة.ويمكن القول بناء على ذلك أن الصراع الاستراتيجي الذي تشهده الأراضي الأوكرانية قد دخل منعطفا خطيرا ينذر بقرب حرب نووية عالمية خاصة بين الغرب الأطلسي وروسيا التي تعتبر هذا الصراع مسألة وجودية ونقطة الفصل في تحديد طبيعة النظام العالمي الجديد، والذي تصر على أن تكون فيه قوة فاعلة في صياغته وإقراره.
وهذا ما لا ترغب فيه أمريكا والغرب الأطلسي الذي سعى منذ سنوات إلى تقزيم وإضعاف الدور الروسي على الساحة الدولية تمهيدا لاخضاعها وتقسيمها، لكونها شكلت منذ أكثر من عقد رأس الحربة في الصراع الاستراتيجي المنازع للأحادية القطبية بزعامة أمريكا ومزاحمتها في أكثر من نقطة ساخنة في العالم.وإن ما يؤكد مرة أخرى نوايا الغرب الأطلسي من افتعال هذا النزاع المسلح على الحدود الغربية لروسيا هو ما صرح به مؤخرا بعض القادة السابقين لبعض الدول الأوروبية التي تمثل دور العراب لاتفاقية مينسك سنة 2014 ( هولاند وميركل ) ، حين اعتبرت هذه الاتفاقية مجرد خدعة المراد منها ربح الوقت لتأمين الاستعدادات الضرورية للقوات الأوكرانية من حيث التحصينات والتسليح والتدريب لمواجهة القوات الروسية.
وهذا ايضا ما يجعل من هذه الاتفاقية تكتيكا مفكرا فيه منذ فترة لجر روسيا الى حرب اعتبرها الخبراء الدوليون مصيدة لاستنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا من خلال إطالة أمد هذه الحرب عبر الدعم الدعم العسكري والمالي المتواصل لنظام كييف، وكذا نظام العقوبات الصارم ضد مصادر الطاقة الروسية المفكر فيه حتى قبل بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك دون الأخذ بالحسبان تبعاته الكارثية على الاقتصاديات الأوروبية والعالمية في حال عدم قدرة الغرب هزم روسيا في الآجال التي حددها خبراؤهم العسكريون، حسب اعتقادهم، في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، وهو ما حذا بهم كذلك لفتح الحدود وتشجيع ملايين الاوكران للنزوح والهجرة بشكل مؤقت إلى مختلف البلدان الأوربية.
ويمكن القول إذن أن نهج سياسة حافة الهاوية من خلال التصعيد الملحوظ في الصراعات الدولية الذي يمارسه الغرب الأطلسي بقيادة أمريكا في كل من شرق اوربا وجنوب شرق ٱسيا كان مخططا له منذ سنوات. لكن مع مرور الوقت وعدم تمكن أمريكا من تحقيق أهدافها وفق ما خطط له، بدأ هذا الصراع حاليا ينزلق الى نقطة اللاعودة استحضارا للمعطيات التالية : أولا قحام الترسانة العسكرية الأطلسية الحديثة في الحرب الأوكرانية ودمج الاتحاد الأوروبي في الحلف الأطلسي الذي ترجمته الاتفاقية الأخيرة، وهو ما كان دوما هدفا لأمريكا من أجل إجهاض أي حلم أوروبي في إرساء قوة عسكرية و اقتصادية أوروبية مستقلة.
وثانيا العمل على تأمين الحدود الجنوبية لأمريكا عبر الانقلابات التي تديرها بتنسيق مع القوى الفاشية واليمينية في دول أمريكا الجنوبية التي اختارت غالبية شعوبها الاتجاه يسارا عبر صناديق الاقتراع، وهو ما حدث في كل من فنزويلا وبوليفيا والبيرو والإكوادور وأخيرا في البرازيل .كل هذا بهدف عدم السماح لهذه الدول التوجه شرقا بما يخدم مصالح شعوبها الاستراتيجية.وثالثا التصعيد الخطير الذي يشهده بحر الصين بإقدام أمريكا على إحداث حلف عسكري أمريكي ٱخر يضم كل من أمريكا وإنجلترا واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية لمواجهة الصين وكوريا الشمالية، وذلك على غرار الحلف الأطلسي الذي أخذ الاتحاد الأوروبي مؤخرا في كنفه من أجل توحيد الجبهة الاوربية ضد روسيا وفقا لاستراتيجية أمريكية مدروسة الهدف كان الهدف منها دوما منع اي تفارب روسي أوروبي.