هكذا حلت عقدة الدبابات أخيرا وحققت الولايات المتحدة إنجازا بدفع المانيا لقبول توريد دباباتها ” ليوبارد٢ لاوكرانيا ، وبددت ظاهريا هواجس برلين ، و أعلنت انها هي أيضا سوف ترسل دبابات ” ابرامز ” بعد تمنع ووضع ذرائع . ليكتمل” تحالف الدبابات ” مع انضمام دول أوروبية الى حملة التبرع بالدبابات .فقد بدت الدول الاوربية موحدة الموقف والهدف بقيادة المايسترو الأمريكي ومصممة على دعم أوكرانيا للنهاية .
لكن هل هذا هو المشهد الحقيقي ، ام ان للصورة وجه ؟ .فاذا اردنا ان نتأكد من ذلك يتوجب علينا النظر بدقة اكثر الى المشهد امامنا . ولفعل ذلك علينا ان نجد إجابات للاسئلة التالية :لماذا ترددت المانيا في ارسال الدبابات ، ثم ربطت أرسالها بارسال الولايات المتحدة “لدبابات ابرامز”؟وهل الدبابات سوف تخلق توازنا جديدا في الميدان وتجلب النصر لكييف؟ وهل القادة الاوربيون مستعدون ذهنيا ونفسيا لتقبل فكرة هزيمة حليفهم ” زيلينسكي” وانتصار روسيا؟ وهل التراجع الميداني للجيش الاوكراني وحجم الخسائر الهائلة التي يتكبدها في جبهات القتال يمكن ان يفتح بوابة الحديث عن تسوية سياسية بين الغرب وروسيا او يدفع لتغييرات سياسية في رأس القيادة الأوكرانية ؟
ويمكن الإجابة عن هذه الأسئلة بالاعتماد على حقائق الميدان والوقائع بعيدا عن الدعاية الأحادية التي يمارسها الغرب وسياسة حجب المعلومات عن الجمهور والتي في معظمها صادمة ولا تتوافق مع الادعاءات التي تملأ الفضاء الإعلامي والسياسي .اذ ان التردد الألماني لم يأت على خلفية حرص برلين من انزلاق الحرب الى مواجهة مباشرة بين حلف الناتو وروسيا فقط ، وحسابات الذاكرة في تجربة الحرب العالمية الثانية.حيث تتحسب برلين لأمرين: الأول القاء دبابات “ليوبارد2” في ساحة القتال بدون غطاء جوي فعال ومع تفوق روسي في الجو ما يجعلها عرضة للتدمير وفقدان السمعة ، خاصة ان هذه الدبابات اختبرت للمرة الأولى في معارك مدنية الباب في سورية ضد تنظيم داعش عام 2016 وتم تدمير عدد منها بصواريخ من الصناعة الروسية.
إضافة الى ذلك فان الجيش الاوكراني وعبر عام من المعارك ثبت انه مفرط جدا في استهلاك و خسارة العتاد العسكري . وما تستهلكه الجيوش في اشهر من القتال من الذخيرة والعتاد يستهلكه الجيش الاوكراني في أسابيع قليلة.والامر الثاني: هو تخوف برلين من قيام الولايات المتحدة بتعويض السوق الأوروبية من نقص عديد الدبابات بصفقات دبابات “ابرامز” المربحة.ورغم ان الولايات المتحدة التي أعلنت انها سترسل دباباتها أيضا الى جبهات القتال في أوكرانيا ، وذلك نظريا انجاز يطمئن الشركاء . لكن ماذا عن التفاصيل العملية لفعل ذلك .
من خلال تلك التفاصيل يظهر ان واشنطن سوف تتعاقد مع شركات التصنيع الحربي الأمريكي لانتاج دفعة من الدبابات ولن تتخلى عن دبابات من مخزونها العسكري ، فضلا عن العمليات اللوجستية والتدريب ، كل ذلك يعني ان الخدمة الفعلية للدبابات الامريكية في الميدان الاوكراني لن يكون قريبا بل مؤجلا لعدة اشهر قادمة ، ونعتقد ان ذلك متعمدا من الإدارة الامريكية. وبكل الأحوال فأن “تحالف الدبابات” يحاط بهالة كبيرة من المبالغة في قدرتها على قلب موازين الميدان ، وقريبا سيتحول هذا الزخم الذي يحيط بإنجاز اتفاق الدبابات من الماضي ، وتعود الدول الغربية للحديث عن دعم إضافي . ومن المؤكد ان تدمير الجيش الروسي لعدد من هذه الدبابات سيكون له اثار معنوية داخل الدول الأوروبية ، وسيكون هناك من سوف يحمل مسؤولية ذلك .
وان تقدم الجيش الروسي في الميدان بعد السيطرة على مدينة “سوليدار” وربما احكام القبضة على “باخموت” والتقدم شرقا نحو “خاركيف”، سوف يفرض حتما ايقاعا اخر في التعامل الغربي وحتى المقاربة الأوكرانية الداخلية للحرب برمتها . حتى هذه اللحظة لاصوت يعلو فوق صوت المعركة ومواصلة القتال عند قادة كييف والغرب على حد سواء . وحتى الان لا يبدو انهم يمكن لهم ان يتقبلوا فكرة الهزيمة وما ستفرضه من حساباتها تتراوح بين المخاطرة في دخول الناتو مباشرة لقتال روسيا في أوكرانيا ، وبين طرح التفاوض إعطاء روسيا الثمن لوقف الحرب. وأيا كانت السيناريوهات فان الامر الطبيعي لما سوف يحصل عند استمرار التقدم الروسي واندحار الجيش الاوكراني هو بروز مقاربات ونقاشات ظلت ممنوعة من الظهور للعلن ، منها اصوات في أوروبا ستعلو متسائلة عن جدوى الحرب .