الزلزال المصرفي العالمي والاستثمارات العربية

للكاتب زياد حافظ

الزلزال المصرفي الدولي الذي يعصف بالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي يظهر الخلل البنيوي في ذلك النظام.  حتى الساعة ما زالت النخب الحاكمة في الولايات المتحدة ومعها في دول الاتحاد الأوروبي ومؤسسات الاتحاد الأوروبي تعمل على تثبيت قوّامة القطاع المالي والتأمين والعقاري المعروف ب “فاير” أي الأحرف الأولى لقطاع المال والتأمين والعقار (FIRE) الذي يعني “النار”.  فهو بالفعل النار الذي يحرق كافة مقوّمات الاقتصاد الغربي بعد موجة تفكيك البنى الصناعية الذي بدأ في أواخر السبعينات من القرن الماضي واتباع السياسات النيوليبرالية التي ساهمت في خلق فجوات اقتصادية واجتماعية .

فالخلل البنيوي في النظام المصرفي في الغرب يكمن في تحوّله من قطاع خدماتي للقطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة والبناء إلى قطاع منتج لثروة افتراضية عبر المضاربات في الأسواق المالية والأسواق العقارية وإنشاء فضاء افتراضي لإنتاج ثروة غير مبنية على الاقتصاد العيني. وهذا الفضاء الافتراضي أصبح متقدّما على الاقتصاد العيني خاصة في حقبة العولمة والثورة التكنولوجية في التواصل ما أدّى إلى تضخّم في السيولة النقدية غير مبرّرة بحجم الاقتصاد العيني.  ولا داعي في الدخول في سجال نظري حول العلاقة بين الاقتصاد العيني وأمولة الاقتصاد بل الاكتفاء بالإشارة إلى الخلاصة وهي قوّامة القطاع النقدي والمالي على الاقتصاد العيني ما أدّى إلى تشوّهات في البنية الاقتصادية .

فهذه التشّوهات لم تكن لتحصل لولا التغييرات في الأنظمة الضابطة. فحقبة العولمة شهدت أقدام الدول الغربية على تفكيك النظم الضابطة والرقابية بحجة تسهيل النمو الاقتصادي والمالي.وان السماح للولايات المتحدة للمصارف بالتصرّف بأموال المودعين في المضاربات المالية أوجدت سيولة كبيرة سمحت ارتفاع التداول في البورصات وحجم الراس مالة السوقية للشركات لجني أرباح افتراضية غير مرتبطة بأداء الشركات.فأصبحت ودائع المودعين في المصارف رهن حسن تقدير المسؤولين في المضاربات المالية والعقارية فكانت الأزمات المتتالية التي ضربت مصداقية تلك المصارف.وإضعاف تلك النظم الرقابية المقيّدة أدّى إلى التمركز المالي في يد القلّة والسطوة على القرار الساسي للدول.

فالنخب الحاكمة استفادت من سطوة المال إلى أن أصبح وجودها في السلطة مدينا لذلك المال وعلى حساب المراقبة والحفاظ على مصالح شعوب دولها.و بمعنى آخر إن التسيّب في الاحكام الضابطة ساهم في زيادة الجشع المالي للمسؤولين في المؤسسات المالية سواء كانت مصارف أو بيوت مال ما أدّى إلى اللجوء إلى الاستدانة كرافعة لنمو افتراضي ولإنتاج ثروة مبنية على أوهام الفروقات في الأسعار والفوائد في الأسواق الفورية التي تتحكّم بالحركة المالية العالمية.ورافق هذا التسيّب في الأنظمة الرقابية سلسلة فضائح أدّت إلى انهيارات لمؤسسات عملاقة.

 وتجدر الاشارة هنا الى  فضيحة سقوط شركة الطاقة العملاقة أنرون في مطلع الألفية وأزمة الرهونات العقارية في 2008 التي أدّت إلى انهيارات مالية كشركة ليمان برازرز وتعثّر شركة إي أي جي للتأمين. وهذه الأيام شهدنا انهيار سلسة من المصارف الأميركية امتدت إلى أوروبا.  فالمصرف السويسري العملاق العريق كريدي سويس اختفى بين ليلة وضحاها وأصبحت ملكية مصرف يو بي أس بناء على ضغط من السلطات السويسرية وذلك ضمن إجراءات مخالفة للقانون ومجحفة بحق المساهمين سواء كانوا غربيين أو لا. وكذلك الأمر قد يحصل لأكبر مصرف الماني دويتشي بنك المتعثّر والتي قد يفرض تدخّل الحكومة الألمانية عبر إجراءات قريبة من التأميم.

فمنظومة القوانين لا تقف أمام القرارات السياسية التي تتجاوزها وذلك لمصلحة عليا تقدّرها النخب الحاكمة وتفرضها على الدولة والمجتمع.  فعلى سبيل المثال لا تسمح النخب الحاكمة بانهيار المؤسسات العملاقة لأنها عملاقة وتداعيات الانهيار أكبر مما يمكن أن تتحملّه النخب وليس المجتمع.  فالأكذوبة التي تروّجها النخب الحاكمة والتي تدّعي الليبرالية وقوّامة احكام السوق هي أن انهيار المؤسسات العملاقة قد يؤدّي إلى اضطرابات اقتصادية واجتماعية.  والسؤال يصبح لماذا سمحت النخب الحاكمة حصول ذلك سواء في سماح إنشاء مؤسسات عملاقة تهدّد بسقوطها الامن الاقتصادي والاجتماعي؟ فهناك قوانين ضابطة رغم تفكيك القوانين الضابطة لتشجيع النمو والتنافس لكن الخط الذي يفصل بين المغامرة والمقامرة من جهة بأموال الناس وسوء الائتمان والاخلال بها خط رفيع يختفي في كثير من الأحيان فتقع الواقعة.

مقالات ذات صلة