لم يكن بامكان الصخب الاعلامي الغربي والقعقة المفرطة للسلاح ان يحلا محل الحقائق الجيوستراتيجية التي تحكم الصراع الدائر بين الغرب والشرق على الاراضي الاوكرانية. لقد تم اعداد المسرح للهجوم الاوكراني المضاد على جبهتين، الاولى عسكرية والثانية اعلامية. في الجبهة العسكرية تم تحشيد كميات هائلة غير مسبوقة من السلاح والعتاد الحربي حتى بدت اوكرانيا تشبه سفينة حربية عملاقة على متنها كميات هائلة من الذخيرة والصورايخ ومنصات اطلاقها وانظمة الدفاع الجوي وادوات الحرب الالكترونية والدبابات والمركبات العسكرية من كل الانواع المتاحة في ترسانات الجيوش الغربية.
وعلى الجبهة الاعلامية، عمدت وسائل الاعلام الغربية وبعض وسائل الاعلام الاخرى المرتبطة بها، خاصة في منطقتنا العربية، عمدت الى خلق معطيات افتراضية مضللة تؤكد ان الهجوم المضاد الاوكراني سوف يغيير موازين الصراع تماما وان اوكرانيا ستحرر اراضيها حتى جزيرة القرم خلال اسابيع او اشهر قليلة. لقد نسج هذا الاعلام صورة براقة للنتائج المتوقعة للهجوم المضاد وتبين عندما فشل الهجوم المضاد ان حسابات الحقل كانت تختلف بشكل جذري عن حسابات البيدر.
وبعد فترة زمنية من التلكؤ في الشروع في الهجوم المضاد بدأت المراحل الاولى منه بهجمات منسقة تهدف لاحداث اختراق ما على احدى الجبهات الملتهبة ليصار بعد ذلك الى دفع الالوية العسكرية ذات الجاهزية الكبرى داخل ذلك الاختراق.. لم ينجح اي من تلك المحاولات، وكانت الصدمة الكبرى..فقد تمكن الجيش الروسي من اعداد دفاعاته الاستراتيجية على كافة خطوط التماس الحربية على مختلف الجبهات، بحيث اصبح من غير الممكن للهجوم المضاد ان يحدث الاختراق المأمول.
وهنا تغيرت المعطيات امام النيتو والاوكرانيين واصبحت فكرة الهجوم المضاد برمتها مجردفكرة جميلة غير قابلة للتنفيذ لانها اصلا بنيت على افتراضات خاطئة، وهنا بدأ الجميع بطرح السؤال الحائر مجددا: اذن ما البديل؟ وان البديل منطقيا هو ان يتم وقف الحرب والشروع في عملية سياسية تقود للحل الوحيد الممكن وهو تحييد اوكرانيا ووقف توسع حلف النيتو شرقا باتجاه الحدود الروسية.. ووضع نظام متوازن لضمان وحدة اراضي الدولة الاوكرانية المحايدة بين النيتو وروسيا.. وطبعا قواعد اللعبة الاستراتيجية بين الغرب بكل تحالفاته وبين الصين وروسيا بكل تحالفاتهما تعد اكثر تعقيدا مما توحيه هذه المقالة.
لكن يبقى السؤال الذي يتردد دون توقف، ما الحل؟ خاصة اننا امام حقيقتين مهمتين وهما ان روسيا دولة غير قابلة للهزيمة الاستراتيجية لانها الدول الاقوى نوويا في العالم.والامر الثاني ان عالم ما قبل الحرب في اوكرانيا يختلف كليا عن العالم الراهن من حيث القطبية الدولية .. فالسيطرة الامريكية على العالم كقطب وحيد لم تعد قائمة منذ لحظة اجتياز اول جندي روسي الى الاراضي الاوكرانية العام الماضي..واخيرا ان الاجابة على سؤال ” ما الحل” تتطلب قبل كل شئ تغييرا في العقلية التي تتصدى للتعامل مع هذا الحل..