قراءة في الاستراتيجية السعودية الجديدة تُجاه علاقتها المُتأرجحة مع أمريكا

للكاتب حمد المعموري

اذا كان طموح ولي العهد السعودي ” الذي اعلن عنه ” في مناسبات عدة ان يجعل من الشرق الأوسط “أوربا” فهل هذا يعني أن من أولوياته تحرير فلسطين وطرد المحتل الصهيوني من قلب الأمة العربية وإنهاء المؤامرات الدولية بالتواجد غير المشروع للأمريكان وحلفائهم أم أن طموحه لا يتعدى بلاده أو ربما بعض بلدان مجلس التعاون الخليجي؟ فهل المقصود بأن يكون الشرق الأوسط أوربا بأن نمتلك ناصية العلم ونعمل على تنمية البلدان العربية بعيدا عن التحالفات الشرقية والغربية، وهل سنجد من يسعى للتحالف معنا بدل “الهرولة” لإيجاد حليف نتغطى بعباءته…؟!

ولو تم التمعن على عجل في قراءة التغييرات التي طرأت على السياسة السعودية  الخارجية سواء كانت الاقليمية منها او العالمية مؤخرا فإننا نلمس  ابتعاد السعودية  عن أسلوب سياساتها السابقة واعتقد هذا التحول ناتج عن تذبذب السياسات الأمريكية اتجاه السعودية، وكذلك التغيرات التي حولت مسار السياسة العالمية من اتجاه القطب الواحد الى اتجاهات متعددة تتزعمها الصين وروسية كقطب يكسر تفرد امريكا في قيادة العالم خاصة بعد “كرونا “وما صاحبه من ركود اقتصادي الى الحرب الاوكرانية الروسية والتي كانت ولازالت رحاها تدار بين اوربا وامريكا من جهة وروسيا من جهة .

 ونتيجة ابتعاد وانشغال  السياسة الامريكية عن حليفتها السعودية انتهزت السعودية الفرصة للتحرر من هيمنة السياسية الامريكية التي كانت تتأرجح بين حكم الحزبين (الديمقراطي والجمهوري ) فكانت السعودية تصعد في قمة العلاقات مع امريكا في حكم الجمهوريين لتنزل في اخر السلم في حكم الديمقراطيين.ولو تم الرجوع  قليلا إلى حكم ( الحزب الديمقراطي ) في أمريكا لوجدنا أن العلاقات بين السعودية وأمريكا كانت بدرجات تحت الصفر المئوي، وهذه الحالة منذ حكم “كارتر” الديمقراطي إلى حكم بايدن فأصبح حكام أمريكا الديمقراطيين أكثر جفاء للعلاقات السعودية ولمن يذكر حادثة استقبال الملك سلمان في الرياض للرئيس الامريكي (الديمقراطي) الاسبق “اوباما ” عندما ذهب الملك سلمان ليصلي في مسجد المطار و ترك الاخير ينتظره عند نهاية سلم طائرته .

فجميع البروتوكولات في استقبال رؤساء الدول والذي من خلاله اتضحت عمق الفجوة السياسية بين البلدين بينما كان استقبال السعودية للرئيس السابق ترامب “الجمهوري” عند زيارته الاولى بعد فوزه بالانتخابات الامريكية ، استقبالا استنفرت فيه السعودية كل آيات الحفاوة والتكريم وكان معد له اعداد يفوق الاستقبال “البروتوكولي ” المتعارف عليه وكان على رأس المستقبلين الملك سلمان شخصيا  ومن كلتا الصورتين بالاستطاعة تمييز اتجاهات السياسة الأمريكية اتجاه السعودية وتضاربها بين الحزبين “الجمهوري والديمقراطي” ولم يتوقف عند هذا الحد بل ما عقبه من تصريحات، بايدن الرئيس الذي أعقب ترامب والذي كان من أهدافه أن يجعل السعودية دولة منبوذة، ولكن حصان السعودية “البترولي” كان هو الأكثر حظا في المطاولة وحصاد المكاسب.

فبعد كرونا والحرب الأوكرانية الروسية أصبحت السعودية أكثر تحررا من قيود أمريكا وبغفلة من سياسة أمريكا تفاجأ العالم بتوقيع الاتفاق ( السعودي الإيراني) تحت المظلة الصينة ، وتوطدت العلاقات الصينية السعودية فأصبحت السعودية غير راغبة بتوطيدها مع حليفتها أمريكا أو أنها أعطتها ظهرها وتجاهلت التحالف الذي كان يربط البلدين منذ تأسيس الدولة السعودية، عند ذاك انتبهت الإدارة الأمريكية إلى خطر التقارب الصيني السعودي فكانت النتيجة أن يتخذ القرار الأمريكي بأن تعاد الحليفة “السعودية” إلى حليفتها.

وبين “إعصار” حرب الطاقة و “زلزلت” التحالفات الشرقية اتجهت أمريكا لخيار التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني لكسر الطوق الصيني الذي قد يحيط بمنطقة الخليج، حتى أصبحت الدبلوماسية الأمريكية تتحرك بشكل سريع لكسب الوقت أولا ومن ثم تحقيق أهدافها في احتواء الموقف السعودي لذلك يلاحظ كثافة تحركات الأمريكان والتصريحات الصهيونية بخصوص التطبيع مع إسرائيل أو ربما لا يطلق على تلك العلاقة “الهجينة” تطبيعا لكي تبقى السعودية بعيدة عن هذا المصطلح تجنبا للإحراج وقد يطلق عليه “تقريب وجهات النظر بين البلدين”، وكما صرح وزير خارجية الكيان الصهيوني مؤخرا عن المكاسب التي ستحصل عليها السعودية من تقارب وجهات النظر “التطبيع”.

مقالات ذات صلة