دور الحشد الشعبي في رسم الاستراتيجية الأمنية للدولة العراقية

الحشد الشعبي أمن الدولة

بقلم:  مجتبى السعبري

شهد العراق في خضم الصراعات الداخلية والخارجية اضافةً إلى الإقليمية والدولية منها والسياسات المُمارسة من قِبل وحدات النظام السياسي مشاكل أدت إلى حدوث اضطرابات متجذرة في الوضع الأمني للبلد الذي أسهم في دوره بنشوء حالة من الإرباك بالنظام السياسي أمتد منذ سقوط النظام العفلقي البعثي ٢٠٠٣ وصولاً لسقوط مدينة الموصل في حزيران ٢٠١٤ و ولادة الحشد الشعبي الذي أجهض مشاريع الإرهاب العالمي وأحدث التغيير النوعي في المستوى الأمني لنظام الدولة والذي أسهم في دعم وردف السلم المجتمعي بمقومات الأمن المستتب .
قبل الخوض في موضوعنا يجب توضيح مفهوم الاستراتيجية , حيث تُعرف الإستراتيجة بمفهومها العام بأنها: فن وعلم توظيف وإستثمار كل القدرات المتاحة لتحقيق الأهداف المرجوة وفق مرتكزين هما الخطة والهدف. كما تُعتبر الاستراتيجية خارطة طريق للمؤسسات؛ تُحدد رؤيتها، ومهمتها، وأهدافها. وتقسم الاستراتيجية الى العديد من الانواع منها : الاستراتيجية السياسية والاستراتيجية الاقتصادية والاستراتيجية الاعلامية والاستراتيجية الأمنية. وبما ان موضوعنا يختص بالاستراتيجية الامنية حيث يكمن مفهوم الاستراتيجية الأمنية بأنها منظومة الأساليب والوسائل العملية والعلمية القائمة على الاستخدام الأمثل للقوى والمصادر القومية من أجل تحقيق أهداف الأمن القومي .
بالنظر إلى أهمية موضوعها تعد الاستراتيجية الامنية من أهم الاستراتيجيات,اذ تمثل أساس الإستقرار السياسي من خلال استخدام القوة الأمنية المتمثلة بالمؤسسات ذات الصلة في سبيل تحقيق الأهداف القومية العليا للدولة والتي تتناغم مع توفير الامن والسلام الإجتماعي. ولتحقيق الاستراتيجية الأمنية يجب توفر المتطلبات اللازمة المتمثلة بـ:
– تحديد الهدف الاستراتيجي المراد تحقيقه والذي يمكن ان يكون هدفاً واحداً او اهداف فرعية تلتقي عند الهدف الرئيسي المرسوم من قبل السياسة العامة التي تسعى الاستراتيجية الامنية تنفيذها.
– جمع كافة المعلومات الموثوقة و المتعلقة بالهدف وظروفه وتحليلها ومعرفة طبيعتها واستنتاج المخرجات لمواجهتها.
– المعرفة المطلقة بالوسائل المتوفرة أو اللازم توفرها باعتبارها عنصر أساسي في ميدان مواجهة الهدف.
– تحديد الاشخاص المعنيين بإتخاذ القرارات كافة مع توفير الإمكانات البشرية واللوجستية لهم ولمؤسساتهم ورفدهم بالمصادر الساندة لمواجهة الأهداف.
مع اقامة حكومة عراقية جديدة بعد زوال سابقتها و مروراً بمراحل تكاملها الدستوري والسياسي، شُكلت الاجهزة الامنية العراقية المستحدثة بهيكلية متابينة مقارنةً بالنظام البائد وتكونت هذه الاجهزة من جهاز الجيش العراقي والشرطة العراقية والاجهزة الامنية الساندة والتي تمثلت بجهازي المخابرات والامن الوطني، حيث قامت الحكومة انذاك باستقطاب الافراد لهذه الاجهزة من خلال فتح باب التطوع او الترشيح للمواطنيين العراقيين الذين لم ينتموا لحزب البعث المحظور.
جابهت هذه الاجهزة وبمستوى وطني بطولي الهجمات الارهابية التي قامت بها المجاميع التكفيرية العالمية بمختلف تسمياتها ونشأتها بالاعتماد على المصادر المعلوماتية التي تزود بها لكن لايخفى على المتخصصين حجم التأثير والتآمر الذي قامت به الادارة الامريكية في عرقلة عمل الاجهزة الامنية من خلال ممارسة الضغوطات عليها وفرض بعض الشخصيات التي تُسير وفق اجندات خارجية عليها وايضا تزييف المعلومات التي تزود من مراكز المعلومات الأمنية المشتركة لتلك الاجهزة مما ادى الى تراجع كبير شهدته العملية الأمنية العراقية أنذاك بالمقارنة مع الدعم الدولي الذي يذهب الى الجانب الاخر من المجاميع التكفيرية وتسريب المعلومات من خلال الشخصيات الدخيلة في النظام الأمني والتي انتجت عن فوضى خلاقة واجهت الاجهزة الامنية والعسكرية من تفجيرات وعمليات تصفية واغتيالات واشاعة الازمات الطائفية وخلق حالة من الرعب وعدم الاستقرار لدى الشعب وتهديد السلم المجتمعي.
كل هذا الاضطراب الامني أستمر وعاش مع حكومات متعاقبة ومراحل انتقالية متعددة خالية من القدرة على التشخيص بسبب الهيمنة التي تمارسها الإدارة الأمريكية على مفاصل الدولة ,وهذه الانعكاسات السلبية التي خلفتها الادارة الامريكية في السياسة الأمنية في العراق قد أضعف الركيزة القتالية والعقيدة العسكرية للقوات العسكرية والأمنية وقد بات هذا واضحاً من خلال الاختراقات للارهاب الذي شهدته العملية السياسية حتى نكبة حزيران ٢٠١٤ “سقوط الموصل” الذي كان أهم مخرجات سوء الادارة الامريكية في العراق والتي افتعلت حرباً نفسية طالت القطعات العسكرية والاجهزة الامنية الماسكة ضمن قواطع المسؤولية في المناطق التي أجتاحها ماسمي بتنظيم داعش الإرهابي مسيطراً على موارد وامكانات القوات العسكرية الرسمية والتي استغلها في تنفيذ جرائمه وبطشه بدعم دولي وأقليمي تآمري ترأسه أمريكا.
والجدير بالذكر مايتحدث به الشهيد القائد ابو مهدي المهندس عن الدور الأمريكي في خلق أو دعم المجاميع التكفيرية : ” في الحقيقة هو مؤامرة كبيرة اكبر من داعش، داعش جنود لقوة دولية كبيرة شكلت ماسمي بحركة الجهاد في افغانستان ١٩٧٩ وطالبان هو نتاج لهذه الحركة، انشأت طالبان ثم على جنبها انشات القاعدة ، القاعدة تحولت ضد المصالح الامريكية، تحولت القاعدة من مجاميع مسلحة منتشرة في نقاط العالم المختلفة وكانت ذروة عملهم في ٢٠٠١(هجمات ١١ ايلول في الولايات المتحدة،نيويورك) تحولت الى قوة لمحاربة اهل البلد نفسه وتدمير المنطقة، وهذه خطة كبيرة؛ فكر تكفيري خليجي – سعودي والادارة واضحة اسرائيلية وأمريكية”.
يتطرق الشهيد القائد ابو مهدي المهندس كذلك إلى أصل التواجد الأمريكي في العراق وما الغاية منه وهل ان الادارة الامريكية في العراق جادة في محاربة الارهاب ؟ أم أن وجودها هو عملية حضور ومساندة ودعم الارهاب العالمي؟ اذ تحدث خلال جلسة حوارية مع مجموعة من الخبراء الاستراتيجيين بأن “تواجد الأمريكي في المنطقة وفي العراق هو لإدارة أزمة وليس لإنهاء داعش، ونحن نمتلك وثائق وأفلام على مدى الأربع سنوات وساعات من الأفلام حول نشاط الأمريكي في مناطق داعش والتي كانت تُبرر أحياناً بأنها عمليات أعتقال وغير ذلك، أضافة الى ذلك لدينا معرفة بوضعهم الكامل في إدارة هذه الأزمة حتى نقل داعش من مكان الى مكان…؛ العملية التي يقودها الأمريكان هي عملية حضور في المنطقة وإدارة المنطقة وليس حسم الإرهاب، وهذا ما أعترف به ترامب رسمياً بأن اوباما هو الذي قام بتأسيس داعش.”
ويسترسل الشهيد المهندس حديثه بالامكانية الامريكية بإدارة الازمات حتى حين خسارتها كإنسحابهم من سورية الذي يصفه ببداية الانحسار الأمريكي والدور التراجعي في المنطقة “انسحابهم من سورية حقيقة هو إنتصار، ولكن كما تعلمون بأن امريكا تمتلك القابلية في معالجة الأزمات والمناورة العالية بمختلف النواحي وتحويل الازمة إلى فرصة، حيث انهم ثبتوا واقع بأنه لايمكن الأعتماد على الأمريكان في المنطقة.”
فقد صدرت فتوى الجهاد الكفائي وكانت الركيزة الأساسية والبذرة التأسيسة لإنبثاق مديرية الحشد الشعبي والتي سُميت بعدها بهيئة الحشد الشعبي بأمر ديواني صدر من رئاسة الوزراء بإستحداث هذا الجهاز العسكري وذلك من أجل احتضان المتطوعين الملبين لنداء المرجعية وتكوين جهاز عسكري وأمني متكامل لمجابهة الإرهاب والتطرف، شكلت فصائل المقاومة العراقية نواة الحشد وعموده الفقري وساهمت في بنائه وتنظيمه وذلك بعد رسالة الكادر الجهادي التي بعثها الشهيد ابو مهدي المهندس (وهو قائد قوات الحشد الشعبي) الى الكادر الجهادي “قادة فصائل المقاومة” وأصحاب التجربة والخبرة “رفاق الجهاد ضد البعث”، حيث كان منزل الشهيد القائد المهندس هو مركز ادارة الحشد الشعبي في بادئ الأمر ومن هناك كانت تُدار السيطرة على جموع المتطوعين وتوزيع المهام القتالية لفصائل الحشد المتمثلة بعمليات القضاء على داعش وتحرير المناطق وتوزيع المحاور العسكرية لبسط السيطرة الكاملة، ساهم الحشد الشعبي بإعادة الروح المعنوية وتثبيت ركيزة العقيدة العسكرية لدى شركاءه في امن العراق وذلك وفق الايدلوجية التي يمتاز بها وهي وليدة الخبرة الكبيرة لقيادته وكوادره المتقدمة، يتحدث الشهيد ابو مهدي المهندس رئيس أركان الحشد الشعبي عن العقيدة العسكرية والقتالية التي أمتاز بها الحشد الشعبي: “العقيدة هي عقيدة قتالية وطنية بإمتياز وليست مذهبية، بدليل انه الحشد الشعبي يضم أصناف مختلفة”، وهذه دلالة عن أنه جهاز أتحادي مكون من مختلف قوميات ومذاهب الأمة التي هي ركيزة هذا الحشد وهو جزءً لايتجزأ من المنظومة الأمنية للدولة العراقية.
و الخلاصة من ذلك فان للحشد الشعبي دور مهم من خلال رسم العديد من الاستراتيجيات التي تخص الامن الداخلي في العراق وخصوصا اثناء المناسبات الدينية حيث ان الحشد الشعبي على مدار سنوات متعاقبة كان عامل اساسي ومحرك رئيسي وريادي في تأمين العديد من المناسبات الدينية وخاصة في الزيارة الاربعينية التي تعد من اهم المناسبات لكون العراق يستقبل خلالها ملاييين الزائرين الاجانب الى داخل العراق والزحف المليوني في من كافة المحافظات العراقية ، من خلال قيامه بالعديد من العمليات الامنية والاستخباراتية التي تعزز الامن الداخلي اثناء زيارة الاربعينية وقد اثمرت هذه العمليات باعتقال الكثير من الشخصيات المطلوبة بقضايا ارهابية والمنتمين الى الجماعات الارهابية التكفيرية، بالاضافة الى ذلك فقد افشل الكثير من العمليات الارهابية التي كانت تريد استهداف المدنيين من الزائرين المتوجهين الي قبر ابي عبد لله الحسين (ع) ، وبهذا فان الحشد الشعبي بكافه تشكيلاته وقياداته الحالية و السابقة الذين ضحوا بانفسهم يبقى عامل اساس ومحرك رئيسي في رسم الاستراتيجية الامنية في العراق.

 

مقالات ذات صلة