لأكثر من عقدين من الزمن، اجتمع زعماء العالم في القمة الاقتصادية لمجموعة العشرين لإلقاء ملاحظات مكتوبة وغير مكتوبة خلف أبواب مغلقة ومحاولة العمل متجاوزين خلافاتهم للتوصل إلى إجماع حول أفضل السبل للتعامل مع التحديات العالمية الملحة.وفي تلك اللحظات غير المرئية، يحاول المسؤولون من الدول المتنافسة ذات المصالح المتباينة بناء علاقات وذاكرة دبلوماسية تؤدي في كثير من الأحيان إلى اتفاق تبعي لم يكن من الممكن صياغته لو لم يجتمع كبار الشخصيات ومساعديهم في غرفة واحدة.
وفي قمة الهند، ستكون الديناميكيات المتغيرة لمجموعة العشرين واضحة للغاية مع تخطي اثنين من أكبر اللاعبين، الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الحدث الذي لم يكن من الممكن تفويته في السابق. ولم يمنع غيابهم الرئيس جو بايدن ــ الذي كان يجري اختبارات حثيثة للكشف عن مرض كوفيد-19 بعد إصابة زوجته بالفيروس ــ من القيام برحلة طويلة إلى الهند لحضور التجمع الذي تصر الولايات المتحدة على أنه لم يفقد رونقه. وفي هذه الدورة، أضافت مجموعة العشرين الاتحاد الأفريقي كعضو في قمتها السنوية، وتمكنت الهند المضيفة من إقناع المجموعة المتباينة بالتوقيع على بيان نهائي، ولكن فقط بعد تخفيف اللغة بشأن القضية المثيرة للجدل المتمثلة في الحرب الروسية. في أوكرانيا.
وفي الأشهر التي سبقت قمة القادة في نيودلهي، لم تتمكن الهند من التوصل إلى اتفاق بشأن الصياغة المتعلقة بأوكرانيا، مع اعتراض روسيا والصين حتى على اللغة التي اتفقتا عليها العام الماضي في قمة مجموعة العشرين في بالي. وسلط البيان الختامي، الذي صدر قبل يوم واحد من اختتام القمة رسميا، الضوء على “المعاناة الإنسانية والآثار السلبية المضافة للحرب في أوكرانيا”، لكنه لم يذكر الهجوم الروسي.ومنذ نشأتها في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008، أصبحت قمة العشرين (G20) واحدة من أبرز المنتديات الدولية لمناقشة قضايا الاقتصاد العالمي وتوجيه السياسات الاقتصادية العامة لمناقشة التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد العالمي وللبحث عن سبل تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي.
ففي الوقت الذي نعيش فيه اليوم، تشهد العلاقات الدولية تحولات هامة، وتشير الدلائل إلى أن النظام العالمي يقترب من مفترق طرق جديد.وإن الجمع بين تغيرات جذرية في الاقتصاد العالمي وتحولات سياسية في العديد من الدول الكبرى يجعلان من قمة العشرين منصة حيوية لمناقشة وتوجيه هذه التحولات. وان أحد أهم التحديات التي تطرحها قمة العشرين هو تشكيل النظام العالمي الجديد. فالنظام العالمي الحالي تأسس بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين شهد تطورات وتغيرات كبيرة إلا أن هذا النظام بدأ يظهر عليه ضغوطاً كبيرة نتيجة التحولات الاقتصادية والسياسية الحالية.
فإحدى التحديات الرئيسية التي يجب التعامل معها هي تصاعد التوترات بين القوى الكبرى، ولا سيما بين الولايات المتحدة والصين. هذه التوترات تشمل مجموعة متنوعة من القضايا، بما في ذلك النزاعات التجارية والتنافس في مجال التكنولوجيا والسيطرة على الموارد الطبيعية. إن محادثات قمة العشرين تمثل مناسبة للبحث عن وسائل لتهدئة هذه التوترات وتعزيز التعاون بين الأطراف المعنية. ومن جانب آخر، تواجه العالم تحديات اقتصادية جسيمة نتيجة لتداعيات جائحة كوفيد-19. الجائحة أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، وزادت من حدة الفقر والبطالة. لذلك يجب على قمة العشرين أن تكون منصة لبحث سبل التعامل مع تداعيات هذه الأزمة الاقتصادية العالمية وتوجيه الجهود نحو تحقيق تعافٍ اقتصادي.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب على قمة العشرين أن تعالج قضايا أخرى ملحة، مثل تغير المناخ والاستدامة البيئية. إذ يشهد العالم اليوم تغيرات مناخية جسيمة تهدد الكوكب، وهذا يتطلب جهوداً جماعية للحد من انبعاثات الكربون وتعزيز الاستدامة البيئية. و يمكن أن تكون قمة العشرين مناسبة حاسمة لتشكيل النظام العالمي الجديد. لذا يجب على القادة العالميين أن يتخذوا قرارات جريئة ويتعاونوا من أجل مستقبل أفضل للعالم. إن تحقيق التوازن بين مصالح القوى الكبرى وضمان العدالة الاقتصادية والاجتماعية على الصعيدين الوطني والعالمي يشكل تحدياً كبيراً. في نهاية المطاف، قمة العشرين تمثل فرصة للتعاون والتضامن العالمي، وهي مناسبة لبناء نظام عالمي أفضل يضمن الاستقرار والازدهار للجميع.