في كل مرة ينخفض فيه منسوب الثقة بالنفس وبقدرات الامة، وترتفع فيها حالات الإحباط لتعطي زخما للأصوات المتخاذلة المطالبة بقبول الاحتلال الصهيوني كأمر واقع ونبذ المقاومة على اساس انها لم تُنتج شيئا سوى المزيد من القتل للفلسطينيين والعرب، وانه لم يبق للفلسطينيين والعرب سوى القبول بالوجود الاسرائيلي والاعتراف به رسميا، تظهر علينا المقاومة لتزود الشعوب بشحنات من الأمل وبعض الثقة . ومرة اخرى تتقدم غزة الكرامة والصمود لتثبت للعالم اجمع بان فلسطين باقية وان الشعب الفلسطيني لن يستسلم ولن يستكين ولن يتنازل عن حقه في العودة وإقامة دولة فلسطين من البحر الى النهر.
وما حققته المقاومة الفلسطينية يوم السبت 2023/10/7 كان إعجازيا بكل المقاييس والمعايير. اولا استطاعت المقاومة ان تفاجئ اسرائيل بهجوم واسع وكبير لم تستطع كل الأجهزة الأمنية والاستخبارية كشفه، رغم كل ما تتبجح به تلك الأجهزة عن قدراتها على احصاء انفاس ابناء غزة، وما تدعيه وتقوله عن كميات العملاء التي تمتلكها تلك الأجهزة داخل غزة. وان الإعداد لعملية كبيرة كهذه بالتأكيد قد استغرق شهورا طويلة او اكثر من سنة ومع ذلك لم تستطع اسرائيل ان تكشفه وثبت انها لم تكن تمتلك حتى فكرة بسيطة عن خطة الهجوم. واذا كانت اسرائيل في عام 1973 قد استطاعت ان تحصل من مصدرين عربيين على تحذير وتنبيه قبل ساعات من بدء الهجوم المصري-السوري مما جعلها تستعد له ولو بصورة متأخرة جدا.
وثانيا: استطاع مقاتلي حماس من اختراق كل اجهزة الإنذار المبكر والرادارات الإسرائيلية وتحطيم الحواجز والجدار الفاصل مع غزة، والذي قالت اسرائيل بان إنشاءه كلف مليار دولار، وفيه من المميزات التكنولوجية وأبراج المراقبة ما يجعل من اختراقه أمراً شبه مستحيل، ومع ذلك تمكنت المقاومة من تدميره والاندفاع باتجاه الاراضي والبلدات المحتلة. كما ذكرت مصادر اخرى ان حماس شنت حربا سبرانية مبكرة عطلت اجهزة الإنذار المبكر، واعترفت اسرائيل بذلك. و ثالثا: استطاع الف مقاتل من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وربما اقل، من كسر غطرسة الجيش الاسرائيلي وأنهوا المقولة الصهيونية بانه جيش لا يقهر.
ففي ظرف ساعات قليلة استطاع ابطال المقاومة من اختراق الأراض المحتلة من عدة نقاط وبعمق وصل الى 40 كيلومترا، وأمطرت الارض المحتلة بخمسة الاف صاروخ محلي الصنع كدفعة اولى. وان المهاجمين لم يفعلوا ذلك لا بالدبابات ولا بالطائرات وإنما استخدموا وسائل بدائية او بتكنولوجية بسيطة، اقتحموا الحاجز بالسيارات والدراجات النارية، وبمظليين بمحركات طائرة بسيطة وضفادع بشرية من البحر. لقد اعتقدت اسرائيل ان حماس اذا ما ارادت القيام بعلميات في الارض المحتلة، فانها ستعتمد على الإنفاق، واذا بأبطال المقاومة يفاجئون العدو الاسرائيلي باقتحام من البر والجو والبحر وعلى مرأى ومسمع من قواته.
رابعا: كما كذبت اسرائيل في حرب 1973، (والتي بالمناسبة اندلعت في نفس التأريخ)، عندما أعلنت بعد بدء الهجوم المصري وعبور قناة السويس، ان الجيش الاسرائيلي افشل الهجوم ودمر القوات المصرية المهاجمة، ثم ظهر ان ذلك كان كذبا فاضحا، فهي تدعي الان انها (طهرت) المناطق التي اجتاحها مجاهدي حماس، وكل الأخبار ما تزال تتحدث عن مواجهات وتواجد ابطال حماس في مدن ومستعمرات جدار غزة، كما تحدثت تقارير اخرى عن تدفق مجاهدين جدد الى الاراضي المحتلة لتقديم الدعم لاخوانهم المتواجدين هناك منذ .وخامسا: وكدليل على العجز الاسرائيلي عن مواجهة ما حدث والأضرار التي احدثها الهجوم مسارعة نتنياهو للاتصال بالرئيس الامريكي، ويبدو انه طلب تمويلا أمريكيا طارئا وربما أسلحة، وهذا كله يدلل على ان اسرائيل قد تكبدت خسائر فادحة .
و سادسا: هناك إشارات واحاديث ان أطراف مقاومة اخرى قد تدخل على خط المعركة، التلميحات جاءت ضمنيا في كلمات قادة حماس الثلاثة الضيف وهنية والعاروري. وهناك من قال ان هناك اتفاق إستراتيجي بين حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله في المشاركة في اية مواجهة برية. وخلاصة القول ان عملية طوفان الأقصى قد قلبت الواقع في غزة وكل فلسطين بل والمنطقة راسا على عقب، ومهما فعل الاحتلال الاسرائيلي او ما سيفعله في الايام القادمة فانه لن ينجح في تحسين صورته ولن يتمكن من اعادة صورة القادر على الردع لجيش الاحتلال التي هزها ابطال حماس من جذورها ومن كل جوانبها.