راهن الصهاينة كما في الحروب السابقة على بث الرعب في شعب غزة ومحاولة دفعهم للتخلي عن الفصائل المقاومة، ورغم فداحة الخسائر وبشاعة الجرائم خاب ظن الصهاينة إذ إزداد ولاء شعب غزة للمقاومة قوة، خاصة في ضوء أدائها العسكري النوعي والمُبهر، فقد تكبد الجيش الصهيوني خسائر جمة في الأرواح والسمعة، لكن الحرب المستعرة ضد غزة ومقاومتها كشفت إلى أي مدى وصل حجم تآمر بعض الأنظمة العربية مع الصهاينة، فلم تكتف هذه الأخيرة بنفض يدها من قضية العرب والمسلمين الأولى فقط، بل تحولت إلى شريك صريح بعدما كان مُضمراً في العدوان ومحرض شرس على الإستمرار فيه.
بالمقابل أصدرت الرئاسة المصرية بياناً منفرداً بعد انتهاء القمة التي دعت لها ” قمة السلام” للتشاور والنظر في سبل الدفع بجهود احتواء الأزمة المتفاقمة في قطاع غزة، وكذلك مستجدات الأوضاع في الاراضي الفلسطينية وإسرائيل، دون تضمين أي من الدول التي حضرت القمة في البيان ما يكشف عن خلاف كبير حول بنود البيان الختامي الذي حال دون صدور بيان جامع لكافة المشاركين في هذه القمة، فقرار الرئيس السيسي إنهاء القمة بعد كشف نوايا الحضور أمام العالم وأمام شعوبهم وكشف للجميع مبدأ ازدواجية المعايير عند الغرب ومنبطحيهم وكذلك كشف تأليف القانون الدولي حسب خدمة مصالح دول معينة ومحددة.
وإن الخلاف حول بنود البيان الختامي لقمة السلام، دون تحديد موقف مشترك تجاه إجرام الكيان الصهيوني، تجعلنا نقف مستغربين من هذا الصمت الفاضح للدول العربية، وموقفها المتخاذل إزاء القضية الفلسطينية و القصف الهمجي والعدواني على غزة، كما لو أن فترة الحرب على غزة التي إستمرت أكثر من أسبوعين التي إستعمل فيها الصهاينة كل أشكال الإجرام من قتل وتدمير لم تكن كافية ليكّون لدى هذه الدول صورة وموقف واضح اتجاه هذه الأحداث، وبالمقابل كان هناك السرعة الفائقة التي قامت على إثرها الجامعة بتفعيل المادة 18 من ميثاقها وتجريد سورية من عضويتها، في حين تلكأت في القيام بأي خطوة عملية تهدف لوقف الأعمال العدوانية لجيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة.
واليوم مضى على تأسيس الجامعة العربية أكثر من ستون عاماً والاعتداءات تتوالى على الشعوب العربية إن كان في كرامتهم أم في أرضهم ولم نراها قد قامت بالتصدي لأي إعتداء تعرضت له شعوبها أو الوقوف إلى جانبها بدءاً من القضية الفلسطينية إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وولادة سايكس بيكو2، إضافة إلى الأحداث التي تجري في سورية واليمن والعراق و الصومال والسودان وليبيا وغيرها.
وما يثير الشفقة على هذه الجامعة ويخلق الإستياء في نفوس الشعوب العربية هي المواقف القوية والداعمة من قبل دول أمريكا اللاتينية شعوباً وحكاماً لأهل فلسطين وغزة بينما تتقازم المواقف لزعماء العرب ويغوص بعضها في وحل دعم وتأييد وخدمة عدو العرب الأول ” الكيان الصهيوني” وبشكل مكشوف وواضح ومن دون إستحياء أو ضمير والدم الفلسطيني يروي أرضها وإسرائيل تفعل كل ما تريد في أرض فلسطين المحتلة والعرب أخيراً يتفرجون لا يدينون أو يشجبون وكما كانوا يفعلون سابقاً، ويكاد ينحصر نشاطها في ندوات ورحلات وتصريحات خجولة وبيانات ضعيفة، ومراسم إحتفالية وطقوس تشريفاتية، بينما الشارع العربي لا يستطيع أن يحصي ضحاياه.
وفي إطار ذلك يمكنني القول إن صمود المقاومة الفلسطينية في غزة أسقط الوهم الذي زرعه الكيان الصهيوني في نفوس العرب أن الجيش الإسرائيلي لا يُقهر ، كما أحرجت قوى المقاومة كل الشعوب العربية، ومهما نعبر بكلمات الإعجاب والصمود الذي يسطروه فإننا نشعر بالصغر والتقزّم أمام أطفال غزة ونسائها فضلاً عن رجالها الصامدين، ومجاهديها الذين سطّروا ويسطرون أنصع صفحات البطولة والفداء نيابة عن الأمة كلها.وبالتالي فغزة ليست بحاجة لزيارات تفقد أو حملات تبرع من جامعة الدول، بل هي بحاجة لشحذ الهمم و وضع كل الخلافات جانباً والتوحد من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة، ومن هذا المنطلق إننا اليوم أمام حتمية لا مفر منها لإعادة ترتيب الصف العربي وبناء نظام إقليمي عربي جديد بعيد تمام البعد عن جامعة الدول العربية بصورتها الحالية.