فوجئ الجميع بضربات توأم الشر الأمريكي -البريطاني العدواني على أرض اليمن وذلك ضمن مظلة (الدفاع عن النفس ) وحماية الازدهار وحرية الابحار والملاحة في البحر الأحمر ، و في نفس الصباح قتل العدو الصهيوني في عدوانه المستمر على غزة 151 شهيدا ضمن سياق (الدفاع عن النفس ) ضد هؤلاء المدنيين ، وصدف كذلك و ضمن مرافعات فريق الدفاع عن الكيان في منصة محكمة العدل الدولية طالب فريق الدفاع هيئة المحكمة بعدم منع العمليات العسكرية في غزة لأن ذلك يوقف عمليات (الدفاع عن النفس ) الأخلاقية التي تقوم بها (اسرائيل) حماية لسكانها المقدسين .
كما يلاحظ تحولت اكذوبة ( الدفاع عن النفس ) مثلها مثل أكذوبة (مكافحة الإرهاب ) إلى طائرة او دبابة يتم ركوبها والقصف بها في أي وقت وأي ظرف لتبرير العدوان على أي شيء يقف في وجه المخططات الأمريكية ، وهذه الأكذوبة يتم ابتلاعها بمرافقة حبة تحت اللسان اسمها ( عدم الرغبة في توسيع الصراع ) أو حبة خضراء اللون اسمها (السعي نحو سلام عادل ودائم ) ، لم يعد فقط ترديد الأكاذيب جزءا من الروح الأمريكية الغربية بل أصبح مفروضا على العالم أن يصدقها ويقبل بها رغما عنه. ونتابع في هذه الأيام جملة واسعة من الأحداث والتفاعلات التي تفجرت مع تدفق طوفان الأقصى ، يحتل الصدارة فيها موضوع الشكوى الجنوب افريقية المقدمة في محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني ، ويحتل العدوان على اليمن المركز الثاني في هذه التفاعلات.
فيما يتعلق بقضية الإبادة التي تُرفَع اليوم في وجه الكيان في المحكمة الدولية ، هناك صورة صادمة لا يمكن أن تمحوها الذاكرة قادمة من تاريخٍ مشابه من العام 2015 حيث شاهدنا جميعا وبذهول مسيرة باريس والتي رأينا فيها صفا من حكام العرب وهم يمسكون بأيدي بعضهم البعض يتوسطهم نتانياهو وماكرون ويمشون في شوارع باريس كرمزية تحالفية لمكافحة الارهاب حول أحداث صحيفة شارلي ايبدو ، وباستحضار هذه الصورة وربطها مع ما يجري في المحكمة الدولية فلا يسعني إلا الأسف على حالة الهوان والضعف العربي التي أخفق فيها النظام الرسمي في عقد حلف مضاد للعدوان الصهيوني وفشل في تشكيل قاعدة ملاحقة ومطاردة ومعاقبة قانونية لكل أطراف الكيان ومحاصرته والإطاحة به أرضا بالطرق الناعمة نظرا لحجتهم بالعجز عن المواجهة العسكرية.
كنا نتمنى أن نرى موقفا واحدا أو مسيرة حق تطالب في محاكمة ليس الكيان وعصابته فقط بل محاكمة بايدن وبلينكن وسوناك وماكرون وكل العصابة الغربية التي آزرت هذه الجريمة ووقفت معها على المكشوف ، لقد وصل الهوان العربي نقطة الذورة الى الدرجة التي صارت فيها قضايانا منقولة إلى أيدي الدول الغربية وأصبحت الجريمة الفاضحة المفضوحة تحتاج الى براهين وادلة أمام محاكم النظام الدولي كي نحصل على ردع أو ايقاف لهذه الجريمة ، ماذا لو خرجت المحكمة الدولية بقرار مطاطي أو معاكس لآمالنا وتطلعات الشعوب العالمية كافة حيال هذه الجريمة؟ ما الذي سوف يعنيه ذلك وما الذي سوف يترتب عليه ؟ سوف تكون تلك هي نهاية الثقة بالنظام الدولي وسقوط هذا العالم بعدالته المزيفة إلى ثقب أسود أمريكي بلا نهاية وسوف تتوج هذه المرحلة من التاريخ العالمي بالعار الأزلي.
وفي مسألة العدوان على اليمن دعوا التاريخ يستحضر لنا مقاربة أخرى ، فقبل شهرين تقريبا تم عقد ( القمة العربية -الإسلامية ) بحضور 57 دولة بهدف اتخاذ موقف عربي -إسلامي موحد حيال الجريمة التي يرتكبها العدوان الأمريكي – الصهيوني على قطاع غزة ، بموازاة ذلك التاريخ بلغ عدد الشهداء في غزة 11 ألف شهيد وهو رقم أكثر من كافٍ لإعلان حربٍ عالمية على الكيان الصهيوني ، خرجت هذه القمة بلائحة طويلة من ارشادات دليل الهاتف وأحدث نسخ الإدانات والمطالبات الصادرة من كتاب اليوتيوبيا العربية ذات الشهامة والكرامة السرابية ، منذ ذلك الوقت وحتى الان تجاوز عدد الشهداء أكثر من الضعف واشتد الحصار على غزة إلى درجة التجويع والموت من الجراح مما يؤكد أن عقد تلك القمة لم يختلف عن عدم عقدها ، يبدو تاليا أن الجهة الوحيدة التي استجابت لمخرجات القمة بالشكل الحقيقي كان هو حكومة صنعاء وشعب اليمن .
لقد خاض اليمن سنوات مريرة من الحرب التي لم يسلم فيها لا مشفى ولا مدرسة ولا بيت عزاء ولا مدنيين ومع ذلك لم يكسر ذلك شوكة اليمن ولا روحه العربية وفهمه للمعركة ، فهل ستؤثر فيه هذه الضربات الجبانة ؟ التاريخ يتغير ببعض سهام الكرامة التي ألقت فيها غزة وصنعاء ولبنان والعراق إلى سماء الشرق الأوسط وأنارت ظلمة عقول العبيد ، الكيان الصهيوني يشهد أسوأ أيامه وتتبعه في ذلك الاستعمارية الأمريكية التي بدأ نجمها يأفل على يد إدارات ووجوه أراجوزية عبثية تبحث عن الوقود والنفط والثروات والسرقات والمراكز ، إدارات مصابة بالزهايمر المبكر وغشاوة الرؤية.