إنها لمفارقة أن نشهد الكيان الصهيوني وهو يسمح لأصدقاء له ثم لمن أراد بإنزال المواد الإغاثية لقطاع غزة من خلال استعراضات جوية رغم ما في هذه الطريقة من صعوبات ومخاطر وقلة في الانتاجية الإغاثية وكلفة أكبر على الطرفين، بينما كان بإمكانه بدلا من ذلك أن يسمح لهؤلاء أن يُدخلوا إغاثاتهم من أبوابها التي وجدت لهذه الغاية، فلماذا يعمد الكيان الى هذه الطريقة؟ بالتأكيد ليس عبثاً. وتاليا نتلمس السبب.
في البداية كانت من الأردن، فنظامه كان أول من فاجأنا باستخدام هده الطريقة البدعة وصورها الإعلام المستخف بعقول الناس والمرشي بالعصا لا بالجزرة، على أنها عملية بطولية قام بها فرسان جو.و بيمنا الأمر لم يكن ابتداء اكثر من اتفاق سمح بموجبه الكيان للنظام أن يلعب هذا الدور لتبييض وجهه على خلفية صمته دون ردة فعل عملية واحدة على مذابح جيش الإحتلال، ولمساعدته للتغطية اليائسة على ما يرسله ويمرره الى الكيان من مواد استراتيجية على رأسها الغذائية، والتي يحتاجها الكيان نتيجة تسخير كل طاقاته وموارده نحو الحرب الابادية التي يشنها على غزة، ولتعزيز صموده الحربي .
ومع أن الحاجة الصهيونية ازدادت الى خطوط وجسور الامدادات الخليجية والأردنية بعد دخول اليمن بقوة على خط المواجهة والضغط على إمدادات وموارد الكيان . فإن أمر الإغاثة الجوية بالنسبة للأردن والكيان بقي في سياق هذه الاسباب الإعلامية السطحية، وبقي الملعوب فيها مكشوفاً ولا يحتمل أو ينطوي على ما هو أعمق. إلى أن تطور الملعوب بانضمام مصر والولايات المتحدة إليه، وأصبح الأمر مختلفاً جداً وجدا . فبانضمام دول نوعية أخرى للملعوب الجوي مؤخراً دون مبرر كالولايات المتحدة ومصر صاحبة المعبر وصاحبة السيادة عليه، يقفز هذا الملعوب عندها وبالضرورة ليأخذ منحى أخر وهدف أخر خطير تم تطويره مع الكيان.
إذ ما معنى أن تتجاهل او تتخلى هذه الدول عن استخدام الطرق والمعابر الشرعية لإيصال مواد الاغاثة سيما وهي قادرة على ذلك ؟ بل أنها جهات قادرة إما على فك الحصار أو ادخال ما تريد بما تملكه من وسائل ضغط مشروعة كالولايات المتحدة والأردن. وهناك دول قادرة على إفشال هذا الحصار من أساسه كمصر لأنها مشاركة به، بل هي من تفرضه على غزة بإغلاقها معبر رفح كمعبر لها مع غزة وتحت سيادتها، حيث لو فتحت مصر معبرها فلن يكون هناك حصار على غزة مهما اغلقت اسرائيل من معابر داخلية او حتى البحر.
إذاً، نكرر السؤال الهام جدا على صعيد الحرب العدوانية ونتائجها في هذه الخاطرة السياسية لأضع اجابتي عليه وهي , لماذا تُقْدِم هذه الدول الثلاث المؤثرة في الشأن الفلسطيني ومآلاته على ايصال مساعدات اغاثية لغزة بطريقة غير طبيعية واستعراضية ومهينة لأصحابها وتنتابها صعوبات ومخاطر وقلة في الانتاجية الاغاثية وكلفة أكبر على الطرفين، أقول لماذا هذه الطريقة مع كل هذا ورغم أن كل واحد منهم قادر بمفرده وعلى اقل تقدير أن يرغم اسرائيل على ادخال ما يريد ومن الباب الطبيعي المشروع .
أما الجواب المؤسف والمؤلم الذي لا أجد غيره وبنفس الوقت يتفق مع المنطق هو أن هذا الثالوث مساقا بالصهيوني نتنياهو وبهدف تخلصه من المقاومة فإنهم يمهدون ويؤسسون بهذه البدعة الى تكريس الحصار على قطاع غزة وشرعنته عربيا ودولياً وصولا لما يخططون له وبما قد يصل الى اتفاق لإلغاء معبر رفح. ومن هنا نحا العدو الى تشجيع الدول الاخرى لاستخدام الاغاثة الجوية وهذا ليس فقط لتغييب الضغوطات الدولية لفك الحصار على غزة، بل لتغييب فكرة وجود معبر خارجي لقطاع غزة. أما ما يُمكن تحميله على هذا الاستنتاج هو أنه يؤشر على قفز هذا الثالوث الى نتائج الحرب العدوانية القائمة واحتسابهم أن حماس ستكون سيدة المرحلة القادمة في غزة، وإلا على من سيكون الحصار؟