في مطلع آب / أغسطس 2023، اي حتى قبل أن يعلن فلاديمير بوتين عن نيته الترشح لولاية رئاسية جديدة، صرح السكرتير الصحفي للكرملين دميتري بيسكوف لصحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية: “انتخاباتنا الرئاسية ليست ديمقراطية بالضبط، إنها اجراء بيروقراطي باهظ الثمن. سيتم إعادة انتخاب السيد بوتين العام المقبل بأكثر من 90 ٪ من الأصوات” .
فعلى الرغم من أن بيسكوف أعلن لاحقا أن تصريحه كان وجهة نظره الشخصية، لكن الرأي العام محلياً وخارجياً فهم أن بوتين يعتزم البقاء في الكرملين حتى عام 2030. وإنه، في الواقع، أمرٌ طبيعي ومنطقي. سيد الكرملين هو الذي بدأ الحرب في أوكرانيا وهو من يجب ان يخرج منها منتصراً لتبرير الثمن الذي دفعته ولا تزال تدفعه روسيا في مواجهتها مع الغرب الجماعي، والتي يمكن وصفها بالشاملة وترقى إلى مستوى الحرب العالمية في عدد من جوانبها وآثارها.
فالرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي يصر على عدم إجراء انتخابات رئاسية في بلاده طالما ان الحرب مستمرة، بالرغم من الضغط الغربي عامة والاميركي خاصة على ضرورة احترام الممارسة الديمقراطية، فلم لا يفعل ذلك ايضا خصمه اللدود على الجانب الاخر من متاريس الحرب فلاديمير بوتين، أم “إن المسموح به لجوبيتر غير مسموح به للثور”؟
وثمة وجهة نظر مفادها أن الرئيس الروسي، او على أقل تقدير طائفة من المستشارين والخبراء، الذين يستمع بوتين لآرائهم، يرون أن العملية الانتخابية ممارسة ديمقراطية لا بد من الإبقاء عليها حتى في ظروف الحرب، لتأكيد شرعية نظام الحكم السياسي الذي شرع بوتين ببنائه منذ نحو ربع قرن، لا سيما في ظروف المواجهة غير المسبوقة بين روسيا والغرب الجماعي. وجهة النظر هذه تستند إلى حقيقة أن إعادة انتخاب بوتين بنتيجة قد تصل فعلا إلى 90%، كما يفترض المتحدث الرئاسي بيسكوف، ستكون بمثابة تأكيد لشرعية الرئيس الروسي، في ضوء عزم خصومه في الخارج وما تبقى منهم في الداخل على عدم الاعتراف بنتائج هذه الانتخابات.
وعلى المقلب الاخر من الرأي في الانتخابات الرئاسية الروسية، هناك من يرون ان اجراء الانتخابات في الظروف الراهنة هو بالفعل ترتيب زائد عن اللزوم، لان بوتين وأتباعه يعتقدون ان استقرار روسيا، بل مستقبلها ومصيرها، مرتبط ببقاء الرئيس الحالي. وبذلك تصبح الانتخابات ليس أكثر من مسألة شكلية وتحصيل حاصل، أو بالأحرى تجديداً للبيعة. هذه الحقيقة الملموسة ربما تفسر الاهتمام الكبير الذي توليه السلطات الروسية للدعاية للانتخابات والترويج لها وحث المواطنين وتحفيزهم ماليا على الذهاب إلى صناديق الاقتراع التي ستكون مفتوحة الابواب على مدى ثلاثة أيام لاستقبال أكبر عدد ممكن من الناخبين.
بالتوازي، وبالرغم من إبعاد المعارضة عن المشاركة باي مرشح، مهما كانت درجة معارضته لنظام الحكم، في الانتخابات الرئاسية، إلا أن ما يسمى “بالمعارضة غير النظامية”، تسعى إلى التأثير ولو في المشهد الإعلامي والدعائي المرافق للعملية الانتخابية. مفهوم “التصويت الذكي” الذي ادخله حيز التطبيق المعارض المتوفي اليكسي نافالني في عام 2018، اثناء الانتخابات البلدية، وأعيد إستخدامه في الانتخابات البرلمانية في عام 2021، يتم اللجوء اليه مجددا في الانتخابات الحالية. الهدف من هذه الممارسة – التشويش على سير العملية الانتخابية بشكل استعراضي لإثبات أن المعارضة لإدارة بوتين لم تمت بموت زعيمها.