تعتبر الجيوبوليتيك واحدة من العوامل المهمة في تحديد مكانة النفط في العالم، فمن يحكم بالنفط، استخراجاً وتكريراً وتسويقاً، له تأثيرات على مجمل الجيوبولتيك العالمي. ومن بين هذه التأثيرات ، النفط والصراعات الدولية: حيث يؤدي الصراع على النفط وتحكم بعض الدول في حركة السوق العالمية إلى توترات سياسية واقتصادية، وحتى نزاعات وحروب بين الدول. والمؤثر الثاني هو النفط والاقتصاد الدولي: يعد النفط مصدراً رئيسياً للدخل الوطني للعديد من الدول، ولذلك فأي تغير في أسعار النفط يؤثر على الاقتصاد الدولي بشكل كبير.وهناك النفط والتنوع الاقتصادي : إن الدول التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط تواجه صعوبات في تحقيق النمو المرتجى.وكذلك النفط والتحالفات الدولية: يمكن للدول المصدرة للنفط استخدام هذه السلعة للتأثير على التحالفات الدولية ومعاقبة الخصوم.
خلاصة القول، إن أي تغيير يطرأ على أسعار النفط له تأثير كبير على سياسات الدول المصدرة والدول المستهلكة على حد سواء، لكن، ومن خلال البترودولار، أصبح الدولار الأميركي عملة الدفع الأساسية في صناعة النفط عالمياً، الامر الذي يسهل على واشنطن السيطرة على سوق العملات وتحقق، بالتالي، المزيد من النفوذ. فالولايات المتحدة لا تتردد إطلاقا ً في استخدام البترودولار كأداة للضغط السياسي على الدول التي تعتمد على النفط والغاز للاستدامة الاقتصادية، هذا يعني المزيد من العقوبات الاقتصادية على كل من سورية وإيران وروسيا الدول المعارضة لسياسات واشنطن.
فمع البترودولار، أصبح بإمكان الاحتياطي الفدرالي السعي إلى التوسع النقدي دون عوائق، خاصة وأنه يستطيع طباعة العملة الورقية دون حسيب أو رقیب، ولقد عملت واشنطن على تحفيز الدول لاستخدام الدولار الأميركي والاحتفاظ به، وكان هذا الطلب المصطنع على الدولار يعتبر أمراً حيوياً لاقتصاد الولايات المتحدة بموجب اتفاقية البترودولار بينها وبين المملكة العربية السعودية. فبموجب هذه الاتفاقية أصبح الدولار مدعوماً بآليتين مختلفتين:الاولى أن الدولار أصبح يشار إليه عموماً بعملة بترو، مدعوماً بشكل فعّال بالنفط.والثانية وتعني بشكل مباشر، وكما دلت الوقائع والأحداث التاريخية، استعداد واشنطن إلى استعمال القوة العسكرية ضد كل من يفكر حتى بالتخلي عن البترودولار.
واليوم، يقوم النظام الاقتصادي العالمي على خلق الأزمات والحروب من أجل زيادة إنتاج النفط الخام والذي يقابله زيادة في ضخ الدولار إلى الأسواق . وعليه، يمكننا النظر إلى البترودولار كمشروع سياسي استراتيجي، لا مجرد عائدات نفطية، كما أن له أبعاداً عديدة نذكر منها:تعزيز الهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأميركية على العالم.وتمكين الولايات المتحدة من فرض العقوبات الاقتصادية على الدول التي تخالف سياساتها.حيث يؤمن هذا الاتفاق استقراراً لحركة السوق العالمية، بحيث يمكن للدول المصدرة للنفط الحفاظ على استقرار إيراداتها الحالية عن طريق ضمان استقرار سعر النفط والحد من التقلبات في سوق النفط.
حيث يؤمن هذا الاتفاق للدول المستوردة للنفط امدادات النفط الضرورية للاقتصادات العالمية وبالتالي تحقيق الاستقرار.و ساعد الاتفاق على إنشاء أسواق مالية عالمية مثل بورصة نيويورك والأسواق الآجلة للسلع مما أسهم في تطور الاقتصاد العالمي.ولنظام البترودولار بعض المساوئ منها تعرض الدول المصدرة للنفط للمخاطر في حالة تقلبات سوق النفط.اذ إن العلاقة بين الهيمنة الأميركية والبترودولار هي علاقة عضوية بين السياسة الخارجية الأميركية والاقتصاد العالمي، فمن خلال سيطرتها على الدولار وأسواق النفط تمكنت واشنطن من تعزيز نفوذها وزيادة قوتها الاقتصادية والعسكرية لدرجة أصبحت تحكم وتقرر التباينات في توزيع الثروات العالمية.
وتشير العديد من الدراسات والتحليلات إلى أن النفط والمصالح المالية للشركات النفطية قد لعبت دوراً مهماً وكبيراً في الحروب التي شاركت فيها واشنطن، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: الحرب على العراق (2003) ، الحرب على ليبيا (2011) ، الحرب في سورية والحصار على إيران . وهذا يؤكد أن النفط ليس سلاحاً هائلاً في أيدي الدول المنتجة، إذ تم استثمار أصول الدول البترودولارية بشكل كبير في الغرب (حوالي 800 مليار دولار) مقابل ( 160 مليار ) مستثمرة في الاقتصادات الوطنية لهذه البلدان.