حسب المعطيات ومسار الاحداث فان العين ستكون على الضفة الغربية في القادم من الأيام، فالتفاعلات التي بدأت تشهدها مدن الضفة الغربية مزيج من الأمني العسكري والسياسي، تصاعد الفعل المقاوم يترافق مع عجز الجيش الإسرائيلي في اخضاع الضفة والقضاء على جيوب المقاومة المتنامية، ويتزامن مع اطلاق الحكومة الإسرائيلية العنان لمشروعات استراتيجية وخيارات خطيرة تطبخ في دوائر القرار في إسرائيل، وتتلخص بالضم والاحتلال والمباشر والتهجير القسري نحو الأردن وانهاء دور السلطة رغم عجزها وفوائدها الأمنية للاحتلال، الا انها تلك السلطة قد تحمل بذرة الدولة التي اسقطتها إسرائيل من حساباتها بالتصويت ب” لا” كبيرة لأي كيان فلسطيني مستقل في الكنيست .
بالمقابل تسعى قوى فلسطينية فاعلة مع ثلة من المستقلين لبورة مشروع وطني فلسطيني، لا يعرف حتى الان عنه الكثير، لكن سنشير اليه في السياق. فتفاعلات الضفة الغربية تتسارع والضفة هي جغرافيا التحول الأساسية ونقطة التغير في الصراع وعلى صعيد الاتجاهات الجذرية لشكل الوضع السياسي الفلسطيني القائم الان وفي هياكل صنع القرار الفلسطيني ومصير القضية برمتها. ويعد اقدام وزير الأمن القومي الإسرائيلي “ايتمار بن غفير” مجددا على اقتحام المسجد بالقدس المحتلة، وسط حراسة مشددة من الشرطة الإسرائيلية ، استفزازا استعراضيا لمتطرف اخرق، انما هي خطوة تعكس اتجاه إسرائيل المقبل في التعامل مع الضفة الغربية بما فيها القدس ومحاولة حسم الصراع على جغرافيا حاولت إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة تدجينها وحذفها من المعادلة.
فالوضع في الضفة الغربية الان يختصر قصة فشل اتفاق أوسلو، وفشل مشاريع دايتون، وفشل نخبة فلسطينية بائسة ارتكبت الأخطاء والخطايا، وفشل احتلال استخدم كل أساليب القمع والقتل والاستيطان والتدجين والترهيب. وان زيارة بن غفير تزامنت مع تصويت الكنيست بالأغلبية، على مشروع قرار يرفض إقامة أي دولة فلسطينية في غرب نهر الأردن، باعتبار أن مثل هذه الدولة ستشكل “خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها”، بحسب نص القرار. وهي رسالة واضحة، تؤكد رفض إسرائيل لفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقبلا، أو أي مفاوضات قد تؤدي إلى ذلك . هكذا تغلق حقبة تاريخية كاملة مليئة بالرهانات على السلام المزعوم، والمجتمع الدولي العاجز، والوسيط الأمريكي المنحاز، والدول العربية المستسلمة واللاهثة نحو التطبيع بلا أي ثمن.
فقد أغلقت إسرائيل البازار، لكن ماذا عن اللاعبين، الموظفين في شركة المفاوضات في السلطة الفلسطينية الذين وضعوا كيان فلسطيني منجز بالدم والتضحيات اسمه “منظمة التحرير الفلسطينية” في ثلاجة الموتى على أمل الحصول على دولة بالمفاوضات والتسويات والقرارات الدولية؟ إسرائيل اليوم تصفعهم على وجوههم، وستكون تلك النخبة امام سؤال المصير ما العمل؟ وما فائدة سلطة بلا دولة ؟ ومنظمة تحرير بلا تحرير؟ وان الكنيست الإسرائيلي اسدى خدمة كبيرة للشعب الفلسطيني بقراره رفض قيام أي دولة فلسطينية، لأنه كشف الحقيقة كما هي عارية . ووضع النقاط على الحروف، هذا سيدفع لإعادة صياغة مشروعنا الوطني الفلسطيني على أساس المقاومة المسلحة، وانتزاع الحقوق وليس استجداءها وتسولها .
وهذا المشروع بذرته موجودة في الضفة الغربية وهي تكبر.وان العملية البطولية الاخيرة على طريق حرميش – برطعة قرب جنين شمال الضفة، تعتبر تطورا هائلا في مسار نمو المقاومة . فتفجير عبوة ناسفة عن بعد بآلية عسكرية إسرائيلية، تجعلنا نستعيد صورة المقاومة في جنوب لبنان قبل العام 2000 .وان ارتفاع وتيرة العمليات وتمدد المقاومة الى كل مدن الضفة هو المسار الفعال الذي سوف يجبر إسرائيل على الانسحاب والاقرار بالدولة. كما وان مطالبة حركتي حماس والجهاد “منظمة التحرير الفلسطينية” بسحب الاعتراف بإسرائيل ردا على رفض إسرائيل قيام دولة فلسطينية، ليست كلاما وموقفا سياسيا تسجله الحركتان فقط . ويعلم قادة الفصائل كما الشعب ان الرئيس “أبو مازن” وما يسمى رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المعين بشكل غير شرعي “حسين الشيخ” لن يقدموا على سحب الاعتراف.
فمنظمة التحرير الفلسطينية مختطفة، ومؤسساتها معطلة، فلا مجلس وطني، ولا لجنة تنفيذية، ولا أي هيئة قيادية في المنظمة تشارك في صنع القرار او حتى يأخذ رأيها ومشورتها. ومن يناقش او يعترض يبعد ويجمد ويقطع عنه الراتب الشهري. هذه هي الحقيقة. وان حركة حماس والجهاد تحاولان عبر البيان الموجه الى المنظمة اطلاق النداء الأخير. لان حراك الفصائل والقوى والتيارات والمستقلين قد بدأ لتنظيم مؤتمر شعبي عام، يبلور صيغة هيئة قيادية فلسطينية تحدد مسار القضية الفلسطينية وتفرض نفسها فاعلا ومقررا.