للكاتب جواد الهنداوي
تجري بين امريكا وإسرائيل والمقاومة في غزّة، معركتان: الاولى معركة حرب الابادة والثانية معركة التفاوض، وبقدر ما تكون الاولى مؤلمة جداً لشعب ومقاومي غزّة، تكون الثانية مؤلمة أيضاً لإسرائيل ولأمريكا.وبالرغم من مرور ما يقارب عام على حرب الابادة في غزّة، وبالرغم من استخدام امريكا واسرائيل وغيرهما لكل وسائل القتل والتدمير والسلاح المحرّم، والتجويع والحصار، لم تستسلمْ المقاومة في غزّة، وبقتْ صامدة و ثابتة في موقفها على شروطها في التفاوض. وهذا مالم يتوقعه لا نتنياهو ولا بايدن ولا غيرهما من اصحاب الأيادي الملطخة بدماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ.
فقد كرّستْ المقاومة في غزّة عملياً المقولة المعروفة ” مَنْ يبدأ الحرب ليس بالضرورة يكون قادراً على ايقافها او إنهائها”. واصبحت امريكا العظمى تعبّر عن آسفها لعدم تجاوب حركة حماس مع المقترحات الأمريكية او التعديلات الأمريكية على مشروع وقف حرب الابادة .وأصبحَ للتفاوض جولات و مقترحات و مشاريع و عواصم، ورغم كل الضغوط التي تتعرض لها المقاومة في غزّة في الميدان و في اروقة السياسة و العلاقات الدولية، لم تستسلمْ، ولم تخضعْ.
والجدير بالملاحظة هو أنَّ المقاومة في غزّة مدعوة للتفاوض غير المباشر وعبر وسطاء ليس مع إسرائيل فقط، و انما مع إسرائيل و امريكا، باعتبارهما طرف واحد ! وهذا يعني أنَّ أمريكا لم تكْ، في يوم من الايام وعلى مدار سنوات الصراع العربي الإسرائيلي، وسيطاً محايداً، غير منحازاً لإسرائيل، و نزيهاً .ولكليهما ( امريكا و اسرائيل ) تاريخ اسود ليس فقط في ارتكاب الجرائم و المجازر بحق الشعوب، و انمّا ايضا في المفاوضات، حيث يستخدمونها وسيلة للخداع والتضليل وكسب الوقت، وحتى أنْ كُللّت المفاوضات معهما باتفاق او معاهدة، فمن النادر التزامهم ببنود وشروط ما اتفقوا عليه .
فاتفاقيات أوسلو عام 1993، بين السلطة الفلسطينية، وإسرائيل و امريكا وبرعاية دولية و اممية، خير مثال على ذلك، حيث، وبعد ثلاثة عقود على ابرام الاتفاقيات، فعلت اسرائيل وبدعم امريكا عكس ما تّمَ الاتفاق عليه، فبدلاً من دولة فلسطينية، توسّعت رويداً رويدا إسرائيل و ضمّت اليها مزيداً من الأراضي الفلسطينية، إلى ان شهدنا اليوم قرار اسرائيلي صريح وعلني من الكنيست يقضي برفض اي مشروع لإقامة دولة فلسطينية.
فلم تنسحب امريكا عسكرياً وسياسياً من افغانستان الاّ بالمقاومة، وموضوع المفاوضات التي جرت بين حركة طالبان وامريكا، وفي الدوحة، عام 2020 , كان حصراً لتسهيل وضمان انسحاب آمن للقوات الأمريكية من افغانستان، ولم تكْ مفاوضات لضمان او مراعاة مصالح امريكا او نفوذ امريكا في افغانستان، كانت مفاوضات لترتيب هزيمة القوات الأمريكية. ولم تلتزمْ امريكا ببنود الاتفاق النووي الدولي والاممي، الذي وقعّته مع ايران، بعد مفاوضات طويلة وشاقة، حيث، كما هو معلوم، الغى الرئيس السابق ترامب، ومن طرف واحد، الاتفاق، في عام 2018 .
وما ينطبق على امريكا، ينطبق على إسرائيل سواء في بشاعة الجرائم التي يرتكبوها في حروبهم، او في تفاوضهم من اجل اتفاق سلام او تعهّد ما. بالتأكيد، تستحضر المقاومة في غزّة ما ذكرناه من شواهد على غدر وخداع امريكا واسرائيل في التفاوض والالتزام والانسحاب الخ … وقد استنتجت المقاومة مراوغة نتنياهو ونزعته الاجرامية قبلَ وخلال المفاوضات، وانسياق امريكا ودعمها له، مما يجعل قيادة المقاومة في غزّة، والمعنية بالمفاوضات، اكثر حذراً وحرصاً على ان لا تصبح، هي الأخرى، ضحيّة غدر اسرائيل. وان الفشل المتكرر للمفاوضات يُلزم المقاومة خيار الاستمرار في المقاومة وبتكتيكات مناسبة لحرب استنزاف لإسرائيل، وهذا هو السلاح او الجواب المناسب والمُرهق لإسرائيل ولأمريكا