للكاتب خيام الزعبي
من خلال متابعة التطورات الأخيرة للحرب الإسرائيلية على الجنوب اللبناني في الصحف والقنوات الإخبارية مثلي مثل الكثيرين من الخائفين على الواقع العربي ومشاهده المستقبلية، فالكيان الصهيوني بات يستخدم كل أشكال الإنقسام والفوضى السياسية بصنيعة أمريكية وإسرائيلية وبمساعدة دول عربية، كي يمرروا مشروعاً هو الأكثر خطورة على الدول العربية من كل المشاريع السابقة. ولعل قيام أول وحدة عربية في التاريخ الحديث، هي الوحدة السورية المصرية عام 1958م، التي أسفرت عن قيام ” الجمهورية العربية المتحدة” مجسدة حلماً سكن قلوب الكثيرين على امتداد الوطن العربي، يرون أن ما يجمع الأمة العربية هو أكثر مما يفرقها، وإنه من العار أن تبقى الحدود المصطنعة قائمة بين دولها.
وفي سياقها خرجت العديد من التجارب الوحدوية العربية، ولكن سرعان ما تهاوت هذه المشاريع نتيجة تآمر الدول الاستعمارية والنزاع نحو القطرية، وتعلق عملية التطور الوحدوي في العالم العربي بإرادة الحكام وليس بقرار المؤسسات، وكثرة الخلافات بين الفصائل القومية، واستمرت هذه الأوضاع بالتدهور حتى ظهرت المشاكل الأثنية والانفصالية ومشاكل الهوية والحروب الأهلية لتشهد البلاد العربية مزيداً من التمزق والتدهور، إذ طرحت السياسات الصهيوأمريكية العدوانية المستهدفة شعوب الأمة العربية في هويتها وشخصيتها الوطنية وثقافتها القومية ووحدة تراب وطنها، بالعمل على تفتيتها وشرمذتها الى دويلات طائفية وإثنية كما يحصل الآن في معظم الدول العربية، بهدف تعميق عملية النهب للثروات وتجزئة الوطن العربي الذي قادته الدول الاستعمارية والتي مثلت بداية لمشروع ينهي الوجود الوحدوي للأمة العربية.
واليوم يتطلّع نتنياهو إلى تغيير وجه الشرق الأوسط، وتوازناته، ويسوّق نفسه زعيماً لهذا الشرق الجديد، من خلال استعراض قدرات جيشه في القتال على جبهات متعدّدة، وفي استخدام أحدث أنواع التكنولوجيا، لإزاحة العوائق من أمام طموحاته الإقليمية، من أجل قيام “إسرائيل الكبرى” من حيث بسط النفوذ والسيطرة على الاقليم سعياً منه لتنفيذ الطوق النظيف الذي وضعته إسرائيل في نهاية التسعينيات لضمان أمن الكيان الصهيوني عن طريق القضاء على الجيوش العربية في دول الجوار الإسرائيلي على الأخص ، سورية والعراق ومصر بالتزامن مع تحقيق خارطة تقسيم منطقة الشرق الأوسط بعد إشغال المنطقة بالفوضى الخلاقة بما يسمى بالشرق الأوسط الكبير.
أمّا الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي في المنطقة ككلّ، وعلى الأخص العملية الجارية في الجنوب اللبناني، هو إخراج الحزب تماماً من المعادلة باعتبار أنّ الحزب، هو مركز الثقل المادّي والمعنوي لمحور الممانعة، بالإضافة الى التوسّع الاستراتيجي في المنطقة، وإعادة تشكيلها لتكون متوائمة مع المشروع الصهيوني من خلال تهميش الدور الإقليمي لإيران، وعزلها في نطاقها الجغرافي ومن ثم تغيير النظام هناك، واستعادة إيران كما كانت أيام الشاه دولة حليفة لإسرائيل، ومن ثم التخلّص من المقاومة في اليمن والعراق وسورية وفلسطين.
والأمر نفسه، يجب أن نعي ونفهم، أصبحت إسرائيل لغماً خطيراً في الجسد العربي كله، وتحت أقدام العرب كافة، فالمخابرات الإسرائيلية، وخاصة جهاز الموساد المعني بالأمن الخارجي للكيان الصهيوني، لا يتوقف ليومٍ واحد عن محاولات السعي لإختراق أمن الدول العربية كلها بلا إستثناء، وله في بلادنا خلايا ومجموعات، وعنده أجهزة ومعدات، فهو يستغل كل السبل والإمكانات، ويسخر كل الطاقات والكفاءات، ويتسلل إلى كل الساحات المختلفة من هذه اليلاد لتحقيق أهدافه ومصالحه. والواقع يقول أن المشروع الصهيوني إن لم يحقق أهدافه الاستراتيجية بإقامة إسرائيل التوراتية، فإنه حقق من الإنجازات ما يفوق كثيراً ما حققه المشروع القومي الوحدوي.
ومن هنا يجب على الدول العربية أن تفهم أن الخطر الإسرائيلي هو تحدّ كبير للأمن القومي العربي، ولا يمكن الاستمرار في التعويل على المظلة الأمنية الأمريكية وعلى العلاقات مع الصينٍ أو روسيا أو تركيا أو…. ، لا يمكن التعويل إلا على الذات وعلى الإيمان بالمصير المشترك وتجاوز كل الخلافات والصعوبات في سبيل ذلك، والسير في اتجاه اتفاقية دفاع مشترك تشمل كل الدول العربية على غرار حلف الناتو، من هنا لا بد من إعادة صياغة العلاقات العربية-العربية على قواعد ثابتة وواضحة مستقرة تسمح بإعادة تشكيل أسيجة واقية للنظام العربي تسهم في إيقاف الانهيار والتشكيك فيه.