لغز العسكرة والتطبيع في العالم العربي

للكاتب وليد عبد الحي

تمثل العسكرة أحد ” مؤشرات السعي لفهم السياسة الخارجية للدول، وتقاس العسكرة استنادا لمؤشرات فرعية ثلاثة هي: مقارنة الانفاق العسكري من اجمالي الناتج المحلي بالانفاق على قطاعات مدنية مثل الصحة العامة، ومقارنة عدد افراد القوات المسلحة قياسا لعدد السكان وعدد الاطباء ، واخيرا عدد الاسلحة الثقيلة لكل فرد .فإذا قبلنا بمعادلات نموذج ريتشاردسون عن العلاقة بين سباق التسلح وبين عدم الاستقرار العالمي او الاقليمي، ثم قارنا بين الدول والاقاليم ، يمكن لنا فهم بعض ملابسات الواقع الدولي.

فهناك  مؤشرات صادمة في العالم العربي، فكيف يتم تفسير حجم الانفاق العسكري السعودي عام 2023 يساوي (75.8 مليار دولار) وهو ما يعادل مجموع انفاق :اسرائيل (27.5 مليار)+ تركيا(15.8 مليار) +  مصر (3.2 مليار) + الجزائر(18.3 مليار)؟ فلو تمت مقارنة  الانفاق العسكري السعودي مع دول كبرى نجد ان الانفاق السعودي العسكري يزيد عن الانفاق العسكري في بريطانيا حوالي 900 مليون دولار، وعن المانيا 9 مليار وعن فرنسا 14.2 مليار وعن اليابان 25.6 مليار دولار؟

 وإذا كان معدل الانفاق العسكري في العالم زاد خلال الفترة من 2019 الى 2024 بنسبة 2,3%، فكيف نفسر ان الانفاق الشرق اوسطي ارتفع في نفس الفترة بمعدل 9%( اي حوالي 400% من نسبة الانفاق العالمي؟ لقد بلغ انفاق الشرق الاوسط عسكريا حوالي 200 مليار دولار عام 2023. و كيف بفسر ان الانفاق العسكري لدولة صغرى مثل قطر يتفوق على اجمالي الانفاق العسكري المصري بقيمة 11.2 مليار دولار ( قطر 14.4 مقابل 3,2 لمصر)، وتتفوق على ايران بحوالي 4.1 مليار دولار في الانفاق العسكري؟  و كيف يفسر ان معدل الانفاق العسكري للفرد(اجمالي الدخل القومي / عدد السكان) في قطر هو اعلى معدل في العالم ؟

اذ تعتمد اغلب الدول العربية على المؤسسات الخشنة في ضمان امنها السلطوي، مع العلم  ان المنطقة العربية هي الاعلى في معدل الاستبداد (معدل الديمقراطية في العالم 5.23 مقابل 3.23 في العالم العربي) وهي الاعلى في درجة عدم الاستقرار(96% من العرب يعيشون في دول تصنف ضمن الدول الاقل استقرارا)، أما مؤشر عدالة توزيع الثروة فان هذا المؤشر بقي يتراوح في المنطقة العربية بين 65 و75، وهو ما يؤكد تآكل الطبقة الوسطى التي تشكل حسب اغلب نظريات علم الاجتماع السياسي نقطة التوازن في المجتمع، واذا اضيف لكل هذا ان الوطن العربي هو الاقليم الاكثر اختراقا من القوى الخارجية ، تصبح احتمالات التغير في السلطة عالية، وهو ما يدفع الى ” رشوة المؤسسات الخشنة” من خلال الامتيازات والانفاق العسكري الذي كثيرا ما انطوى على عمولات وغيرها.

وان الاتكاء على حماية خارجية، ومقابل ذلك لا بد من ثمن، احد هذه الاثمان هو تمويل المجمع العسكري الصناعي بخاصة في الدول الاكثر اهمية في هذا المجال، ويتكفي الاشارة الى  ان اميركا  تحتل المرتبة الاولى عالميا في مبيعات السلاح ،لكن 38% من هذه المبيعات تذهب للشرق الاوسط، وهو ما يجعل ارباح الشركات الامريكية لصناعة السلاح حريصة على مسالتين: الاولى استمرار عدم الاستقرار لكي يستمر شراء السلاح، وضمان أمن من يشتري هذا السلاح.

و تكفي الاشارة ايضا الى ان ثلاث دول عربية اشترت 27.7% من مبيعات السلاح الامريكي، و ان مجموع مبيعات امريكا العام الماضي من السلاح هو 238 مليار دولار،فان 90.44 مليار دولار جاءت من المنطقة العربية .فإذا كانت التكنولوجيا والبحث العلمي هي قاطرة التطور المعاصر، فكيف يتم تفسير ان معدل الانفاق على البحث العلمي في العالم هو 2.63% من اجمالي الناتج المحلي بينما معدله عند الدول العربية هو 0,77%..رغم هذه الصورة المحزنة ،فان الاعلام العربي في كل دولة يتغنى “بحكمة” حادي العيس…والغريب ان هناك من يَطربْ..

مقالات ذات صلة