للكاتب كامل المعمري
في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جذرية، يبدو أن الولايات المتحدة قد بدأت في تغيير نهجها تجاه حلفائها التقليديين في الخليج. ومع تزايد التحديات في ملفات حيوية مثل اليمن وليبيا،والسودان تتجه الأنظار نحو تركيا وقطر كبديلين أكثر قدرة ومرونة لتنفيذ الاستراتيجيات الأمريكية. هذا التحول قد يعني نهاية للنفوذ السعودي والإماراتي في المنطقة، خصوصا في اليمن ويطرح تساؤلات حول مستقبل ملفات المنطقة تحت القيادة التركية القطرية.
ففي سوريا، نجحت أنقرة في ترسيخ حضورها عبر أدواتها السياسية والعسكرية، مما دفع الولايات المتحدة إلى اختبار نموذج “الشريك البديل”. هذه التجربة إذا ما أثبتت نجاحها، ستدفع واشنطن نحو تعميمها على ملفات أخرى، ومنها الملف اليمني. فمع تراجع قدرة الرياض وأبوظبي على التأثير في مسار الحرب اليمنية أو حتى مواجهة صعود الحوثيين، بات واضحاً أن واشنطن قد تفكر جدياً في تسليم زمام الأمور لأنقرة، مع دعم قطري يوفر غطاءً مالياً وسياسياً لهذا التحرك.
وعلى الأرض، يمثل حزب الإصلاح، القوة المحسوبة على تركيا وقطر، رأس الحربة لأي تحول محتمل في المشهد اليمني. محافظة مأرب، التي تُعد معقلا للإصلاح وقاعدة عملياتهم، تمثل نقطة الانطلاق لأي خطة تركية. وإذا ما تم تسليم الملف اليمني لأنقرة، فإن هذه المحافظة ستتحول إلى منصة انطلاق لمشروع جديد يعيد تشكيل موازين القوى في اليمن، مع احتمال أن تعيد تركيا تقديم نفسها كلاعب رئيسي على الساحة اليمنية.لكن ما يثير السخرية هو أن السعودية والإمارات، اللتين طالما رفعتا شعارات التصدي للنفوذ التركي والإخواني، تجدان نفسيهما اليوم في موقف يفرض عليهما القبول بالحلول التركية القطرية كبديل عن فشلهما المتكرر.
فالولايات المتحدة، التي تدير اللعبة من خلف الستار، ستدفع الرياض وأبوظبي نحو القبول بهذا الترتيب الجديد تحت وطأة الضغوط السياسية والاقتصادية. وهكذا، ستتحول الرياض من قائد إقليمي إلى تابع خاضع لسياسات واشنطن، بينما تغرق أبوظبي في مأزق تراجعها الإقليمي.اما مألات هذا التحول، فتتراوح بين إعادة إحياء المشروع التركي في المنطقة واستنزاف النفوذ السعودي والإماراتي بالكامل. فتركيا، التي تمتلك الخبرة في إدارة الصراعات عبر أدواتها الإقليمية، ستسعى لتوسيع نفوذها في اليمن على حساب الرياض وأبوظبي، مما يجعل الأخيرتين في موقف أشبه بالمتفرج. وفي ظل تعاون قطري تركي مدعوم من واشنطن، لن يكون أمام السعودية والإمارات سوى الرضوخ، مما يكرس فشل استراتيجياتهما الإقليمية ويدفعهما نحو مزيد من التراجع.
وان الولايات المتحدة، الراعي الأول لهذه الحرب الكارثية يبدو انها أدركت أخيرا أن أدواتها الخليجية باتت مستهلكة وغير فعالة. فالسعودية، التي كانت تُعتبر في يوم من الأيام شريكا استراتيجيا لا يُمكن الاستغناء عنه، باتت عبئا ثقيلا. لم تستطع الرياض تحريك أدواتها على الأرض ضد الحوثيين ولم تتمكن من استغلال مواردها الضخمة لإحداث أي تغيير في المعادلة. أما الإمارات، التي تباهت لفترة بأنها تمسك بزمام الأمور عبر نفوذها في عدن والمناطق الجنوبية، فلم تُقدم سوى سلسلة من الإخفاقات التي أثبتت أنها مجرد قوة هامشية تعتمد على ميليشيات لا تملك الحد الأدنى من الولاء.
و يبدو أن واشنطن قد قررت تغيير قواعد اللعبة. فتركيا، التي أثبتت نجاحها في سوريا من خلال أدواتها الإقليمية المدعومة بغطاء سياسي قطري، أصبحت الخيار الأمثل لقيادة المرحلة المقبلة في اليمن. وإذا كان الفشل السعودي في اليمن بات واضحا للجميع، فإن تسليم الملف لأنقرة سيكون بمثابة اعتراف رسمي بهذا الفشل. والمثير للسخرية أن هذا التسليم لن يتم عبر مواجهة مباشرة، بل سيتم عبر ضغوط أمريكية تُجبر الرياض على الانسحاب التدريجي من المشهد لصالح قوى أكثر كفاءة وقدرة على تحقيق مصالح واشنطن. أما على المستوى الاستراتيجي، فإن تسليم الملف اليمني لتركيا سيُشكل نهاية مؤلمة للطموحات السعودية والإماراتية في اليمن.